موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الثَّاني: ما في الذِّمَّةِ إذا عُيِّنَ هَل يُعطى حُكمَ المُعَيَّنِ ابتِداءً؟


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: ما في الذِّمَّةِ إذا عُيِّنَ هَل يُعطى حُكمَ المُعَيَّنِ ابتِداءً؟ [3792] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/159). ، وصيغةِ: ما كان ثابِتًا في الذِّمَّةِ إذا عُيِّنَ في شَيءٍ، تَعَيَّنَ [3793] يُنظر: ((بحر المذهب)) للروياني (4/94). ، وصيغةِ: المَقبوضُ عَمَّا في الذِّمَّةِ هَل يُعطى حُكمَ المُعَيَّنِ في العَقدِ؟ [3794] يُنظر: ((تكملة السبكي على المجموع)) (12/256). ، وصيغةِ: الحُقوقُ المُتَعَلِّقةُ بالذِّمَمِ تَتَعَيَّنُ بالتَّعيينِ والتَّسليمِ [3795] يُنظر: ((نهاية المطلب)) لأبي المعالي الجويني (6/385). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
اشتَهَر استِعمالُ هذه القاعِدةِ عِندَ الشَّافِعيَّةِ، وهيَ تُفيدُ أنَّ ما كان ثابِتًا في الذِّمَّةِ إذا خُصِّصَ بعَينِه في شَيءٍ مُعَيَّنٍ، فإنَّه يَتَعَيَّنُ فيه، ويُعطى ذلك الشَّيءُ حُكمَ المُعَيَّنِ ابتِداءً، فلا يَجوزُ إبدالُه بغَيرِه، وهَكَذا الحُقوقُ المُتَعَلِّقةُ بالذِّمَمِ تَتَعَيَّنُ بالتَّعيينِ، وفي بَعضِ فُروعِ القاعِدةِ خِلافٌ؛ لوُجودِ خِلافٍ في القاعِدةِ على وجهَينِ [3796] يُنظر: ((نهاية المطلب)) لأبي المعالي الجويني (6/385)، ((بحر المذهب)) للروياني (4/94)، ((تكملة السبكي على المجموع)) (12/256)، ((المنثور)) للزركشي (3/159). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفَرِّعةٌ مِن قاعِدةِ: (مِن شَرطِ الانتِقالِ إلى الذِّمَّةِ تَعَذُّرُ المُعَيَّنِ)، ووَجهُ تَفَرُّعِها عنها أنَّ ما كان ثابِتًا في الذِّمَّةِ لَم يَكُنْ مُعَيَّنًا في الابتِداءِ، بَل كان واجِبًا في الذِّمَّةِ، فلَمَّا تَعَيَّنَ بالتَّعيينِ خَرَجَ عنِ الذِّمَّةِ؛ إذ مِن شَرطِ الانتِقالِ إلى الذِّمَّةِ تَعَذُّرُ المُعَيَّنِ.
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ: (مِن شَرطِ الانتِقالِ إلى الذِّمَّةِ تَعَذُّرُ المُعَيَّنِ).
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، منها:
1- إذا كان في ذِمَّتِه هَديٌ واجِبٌ فعَيَّنَه في شاةٍ بعَينِها، تَعَيَّنَ ذلك فيه؛ لأنَّ ما كان ثابِتًا في الذِّمَّةِ إذا عُيِّنَ في شَيءٍ، تَعَيَّنَ [3797] يُنظر: ((بحر المذهب)) للروياني (4/94). .
2- إذا لَزِمَته أُضحيَّةٌ بالنَّذرِ، فقال: عَيَّنتُ هذه الشَّاةَ لنَذري، تَعَيَّنَ في الأصَحِّ؛ لأنَّ ما في الذِّمَّةِ إذا عُيِّنَ يُعطى حُكمَ المُعَيَّنِ ابتِداءً [3798] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/159). .
3- إذا وجَبَت عليه زَكاةٌ، فنَذَرَ صَرفَها إلى أشخاصٍ مُعَيَّنينَ مِنَ الأصنافِ، فقيلَ: يَتَعَيَّنونَ؛ رِعايةً لحَقِّهم. وقال الأكثَرونَ: لا يَتَعَيَّنونَ [3799] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/159). .
4- إذا نَذَرَ صَومَ يَومٍ، ثُمَّ قال: للهِ عليَّ أن أصومَ يَومَ كَذا عنِ الصَّومِ الذي في ذِمَّتي، قال الأكثَرونَ: لا يَتَعَيَّنُ، وعِندَ بَعضِهم يَتَعَيَّنُ؛ لأنَّ ما في الذِّمَّةِ إذا عُيِّنَ يُعطى حُكمَ المُعَيَّنِ ابتِداءً [3800] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/159). .
5- إذا أجَّرَ دابَّةً ثُمَّ عَيَّنَها، فالدَّابَّةُ المُعَيَّنةُ عَمَّا في إجارةِ الذِّمَّةِ تَتَعَيَّنُ ولا تُبَدَّلُ في الأصَحِّ؛ لأنَّ المُكتَريَ ثَبَتَ له اختِصاصٌ بها. وإن رَضيَ بالإبدالِ جازَ [3801] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/160). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استِثناءاتٌ:
يُستَثنى مِن هذه القاعِدةِ ما لَو وجَبَت عليه زَكاةٌ، فقال: عَيَّنتُ هذه الدَّراهمَ عَمَّا في ذِمَّتي مِن زَكاةٍ أو نَذرٍ. فهو لَغوٌ كما لَو قاله في دُيونِ الآدَميِّينَ [3802] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/159). ؛ لأنَّ المالَ لا يَتَعَيَّنُ بالتَّعيينِ، وإنَّما تَقَعُ المُعامَلةُ به على الذِّمَمِ؛ لأنَّ الدُّيونَ تُقضى بأمثالِها.

انظر أيضا: