موسوعة القواعد الفقهية

المَطلَبُ الثَّاني: مِنَ القَواعِدِ المُندَرِجةِ تَحتَ قاعِدةِ: الذِّمَّةُ تَتَّسِعُ للحُقوقِ كُلِّها: الذِّمَّةُ تَجري مَجرى المالِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: الذِّمَّةُ تَجري مَجرى المالِ [3742] يُنظر: ((البيان)) للعمراني (4/514). ، وصيغةِ: ذِمَّةُ الإنسانِ تَجري مَجرى عَينِ مالِه [3743] يُنظر: ((الإشراف)) للقاضي عبد الوهاب (2/923). ، وصيغةِ: ذِمَّةُ الإنسانِ بَدَلٌ مِن مالِه [3744] يُنظر: ((المنتقى)) للباجي (3/140). ، وصيغةِ: الذِّمَمُ تَجري مَجرى الأعيانِ [3745] يُنظر: ((البيان)) للعمراني (6/34)، ((النجم الوهاج)) للدميري (5/550)، ((بداية المحتاج)) لابن قاضي شهبة (2/483)، ((حاشية الرملي الكبير على أسنى المطالب)) (2/482). ، وصيغةِ: الذِّمَّةُ كالمالِ [3746] يُنظر: ((المجموع)) للنووي (9/53)، ((فتح العلام)) للبعداني (10/168). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ ذِمَّةَ الإنسانِ حالَ حَياتِه تَجري مَجرى عَينِ مالِه، فهيَ بَدَلٌ مِن مالِه، وذلك في جَميعِ التَّصَرُّفاتِ المُتَعَلِّقةِ بالأموالِ؛ لأنَّ التَّصَرُّفَ يَنفُذُ فيها كما يَنفُذُ في المالِ، كما أنَّ ما يَثبُتُ في ذِمَّةِ الإنسانِ مِن حُقوقٍ عليه لا يَتَقَيَّدُ وفاؤُها بنَوعٍ خاصٍّ مِن مالِه أو بجُزءٍ مُعَيَّنٍ منه [3747] يُنظر: ((الإشراف)) للقاضي عبد الوهاب (2/923)، ((المنتقى)) للباجي (3/140)، ((البيان)) للعمراني (4/514)، ((النجم الوهاج)) للدميري (5/550). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفَرِّعةٌ مِن قاعِدةِ: (الذِّمَّةُ تَتَّسِعُ للحُقوقِ كُلِّها)، ووَجهُ تَفَرُّعِها عنها أنَّ ذِمَّةَ الإنسانِ يَنفُذُ فيها التَّصَرُّفُ كما يَنفُذُ في عَينِ المالِ؛ إذ هيَ بَدَلٌ مِنه، فتَتَّسِعُ لكَثيرٍ مِنَ الحُقوقِ كما يَتَّسِعُ لَها المالُ.
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ: (الذِّمَّةُ تَتَّسِعُ للحُقوقِ كُلِّها).
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- مَنِ استَهلَكَ عَينًا لا يَعرِفُ مالِكَها ثَبَتَ ضَمانُها في ذِمَّتِه إلى أن يَظهَرَ المُستَحِقُّ لها [3748] يُنظر: ((عيون الأدلة)) لابن القصار (6/196). .
2- إذا كان مَعَ رَجُلٍ طَعامٌ يَفضُلُ عن حاجَتِه، ويوجَدُ آخَرُ مُضطَرٌّ إلَيه، وجَبَ على صاحِبِ الطَّعامِ بَذلُه للمُضطَرِّ، فإن كان مَعَ المُضطَرِّ عِوضٌ عنِ الطَّعامِ لَم يَجِبْ على صاحِبِ الطَّعامِ بَذلُ طَعامِه له إلَّا بدَفعِ العِوضِ مِنَ المُضطَرِّ؛ لأنَّا إنَّما أوجَبنا على صاحِبِ الطَّعامِ بَذلَ طَعامِه لدَفعِ الضَّرَرِ عنِ المُضطَرِّ، فلا يَجوزُ أن يَدفَعَ عنه الضَّرَرَ، ويُلحِقَ الضَّرَرَ بصاحِبِ الطَّعامِ، ويَجِبُ على المُضطَرِّ بَذلُ العِوضِ لصاحِبِ الطَّعامِ؛ لأنَّ الذِّمَّةَ تَجري مَجرى المالِ؛ لأنَّ التَّصَرُّفَ يَنفُذُ فيها كما يَنفُذُ في المالِ، ثُمَّ ثَبَتَ أنَّه لَو كان مَعَه مالٌ لَم يَلزَمْه البَذلُ بغَيرِ عِوضٍ، فكَذلك الذِّمَّةُ [3749] يُنظر: ((الإشراف)) للقاضي عبد الوهاب (2/923)، ((البيان)) للعمراني (4/513)، ((المجموع)) للنووي (9/53). .
3- بَيعُ الدَّينِ المُستَقِرِّ، وهبَتُه، ورَهنُه مِن غَيرِ مَن هو عليه، فيه أقوالٌ مِنها: أنَّه يَصِحُّ الجَميعُ مِنها؛ لأنَّ الذِّمَمَ تَجري مَجرى الأعيانِ، بدَليلِ أنَّه يَصِحُّ أن يَشتَريَ بثَمَنٍ في ذِمَّتِه ويَبيعَ فيها، كما يَجوزُ أن يَشتَريَ الأعيانَ ويَبيعَها، إلَّا أنَّ البَيعَ لا يَفتَقِرُ لُزومُه إلى القَبضِ، وفي الهبةِ والرَّهنِ لا يَلزَمانِ مِن غَيرِ قَبضٍ [3750] يُنظر: ((البيان)) للعمراني (6/34). .

انظر أيضا: