موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الثَّاني: إذا تَعارَضَ هَتكُ الحُرمةِ وبَراءةُ الذِّمَّةِ، فما المُعتَبَرُ منهما؟


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بنحو هذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: إذا تَعارَضَ هَتكُ الحُرمةِ وبَراءةُ الذِّمَّةِ، فما المُعتَبَرُ منهما؟ [3725] يُنظر: ((القواعد)) للمقري (2/603). ونصُّ عبارته: (إذا تعارض هتك الحرمة، وبراءة الذمة، كمن شك في قتل الصيد، فللمالكية في الجزاء قولان). ويُنظر أيضًا: ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (1/1/287). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
إذا تَعارَضَ هَتكُ حُرمةِ الأمرِ والنَّهيِ مَعَ بَراءةِ الذِّمَّةِ فقدِ اختَلَفَ الفُقَهاءُ في المُعتَبَرِ مِنهما، ورَأيُ الجُمهورِ أنَّ المُعتَبَرَ هو بَراءةُ الذِّمَّةِ؛ حَيثُ إنَّها أصلٌ مُعتَبَرٌ في الأحكامِ كما سَبَقَ بَيانُه في القاعِدةِ الأُمِّ [3726] يُنظر: ((نهاية المطلب)) لأبي المعالي الجويني (4/233)، ((القواعد)) للمقري (2/603)، ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (1/1/287). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفَرِّعةٌ مِن قاعِدةِ: (الأصلُ بَراءةُ الذِّمَّةِ فيما يَتَعَلَّقُ بالحُقوقِ) بناءً على الرَّاجِحِ، وهو أنَّ المُعتَبَرَ بَراءةُ الذِّمَّةِ فيما إذا تَعارَضَت مَعَ هَتكِ الحُرمةِ؛ إذِ الأصلُ المُعتَبَرُ هو بَراءةُ الذِّمَّةِ فيما يَتَعَلَّقُ بالحُقوقِ والواجِباتِ.
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ: (الأصلُ بَراءةُ الذِّمَّةِ فيما يَتَعَلَّقُ بالحُقوقِ).
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، منها:
1- المُفرِدُ في الحَجِّ إذا مَضَت مِنه الأفعالُ، وجامَعَ، ولَكِنَّه لَم يَدرِ أنَّ جِماعَه جَرى قَبلَ التَّحَلُّلِ الأوَّلِ، فتَضَمَّنَ فسادَ حَجِّه، أو جَرى بَعدَ التَّحَلُّلِ الأوَّلِ، فلَم يَفسُدْ حَجُّه. ففي المَسألةِ قَولانِ: أحَدُهما: أنَّ الحَجَّ يُحكَمُ بفَسادِه؛ لأنَّ الأصلَ أنَّه لَم يَتَحَلَّلْ عنه حَتَّى جَرى المُفسِدُ. والثَّاني: لا يَثبُتُ الفَسادُ؛ لأنَّ الأصلَ بَراءةُ الذِّمَّةِ عن وُجوبِ القَضاءِ، والحُكمُ بالصِّحَّةِ وانتِفاءُ المُفسِدِ [3727] يُنظر: ((نهاية المطلب)) لأبي المعالي الجويني (4/233). .
2- إذا شَكَّ المُحرِمُ في قَتلِ الصَّيدِ، فهَل عليه الجَزاءُ أو لا؟ فيه قَولانِ بناءً على القاعِدةِ [3728] يُنظر: ((القواعد)) للمقري (2/603). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استِثناءاتٌ:
يُستَثنى مِن هذه القاعِدةِ أنَّ مَن جامَعَ في نَهارِ رَمَضانَ جِماعًا مُفسِدًا، ثُمَّ سافَرَ بَعدَ الجِماعِ: فالمُعتَبَرُ هَتكُ الحُرمةِ، فلَم تَسقُط عنه الكَفَّارةُ؛ لأنَّ السَّفَرَ لا يُنافي الصَّومَ، فيَتَحَقَّقُ هَتكُ حُرمَتِه، ولِأنَّ طُرُوَّه السَّفَرَ المُنشَأَ في أثناءِ النَّهارِ لا يُبيحُ الفِطرَ، فلا يُؤَثِّرُ فيما وجَبَ مِنَ الكَفَّارةِ، وتَسقُطُ الكَفَّارةُ إذا جُنَّ أو ماتَ يَومَ الجِماعِ؛ لأنَّه بانَ بطُرُوِّ ذلك أنَّه لَم يَكُنْ في صَومٍ؛ لمُنافاتِه له [3729] يُنظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/426)، ((الإقناع)) للخطيب الشربيني (1/241). .

انظر أيضا: