الفَرعُ الأوَّلُ: كُلُّ ما أشكَلَ وُجوبُه فالأصلُ بَراءةُ الذِّمَّةِ فيه
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: كُلُّ ما أشكَلَ وُجوبُه فالأصلُ بَراءةُ الذِّمَّةِ فيه
[3712] يُنظر: ((غياث الأمم)) لأبي المعالي الجويني (ص: 504). ، وصيغةِ: الأصلُ بَراءةُ الذِّمَّةِ عَمَّا وقَعَ النِّزاعُ في وُجوبِه
[3713] يُنظر: ((الجمع والفرق)) لأبي محمد الجويني (2/112). ، وصيغةِ: الأصلُ بَراءةُ الذِّمَّةِ مِن وُجوبِ شَيءٍ إلَّا بدَلالةٍ
[3714] يُنظر: ((عيون الأدلة)) لابن القصار (5/278). ، وصيغةِ: الأصلُ بَراءةُ الذِّمَّةِ عن كُلِّ واجِبٍ، إلى أن تَقومَ الدَّلالةُ على ثُبوتِ الواجِباتِ
[3715] يُنظر: ((التلخيص)) لأبي المعالي الجويني (3/129). ، وصيغةِ: الأصلُ بَراءةُ الذِّمَّةِ حَتَّى يَثبُتَ الوُجوبُ بأمرٍ لا مَدفَعَ فيه
[3716] يُنظر: ((بداية المجتهد)) لابن رشد (2/102). ، وصيغةِ: الأصلُ بَراءةُ الذِّمَّةِ، فلا يَتَعَلَّقُ عليها مَفروضٌ ولا مَسنونٌ إلَّا بدَلالةٍ
[3717] يُنظر: ((عيون الأدلة)) لابن القصار (4/256). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ ما وقَعَ الشَّكُّ في وُجوبِه فالأصلُ فيه عَدَمُ الوُجوبِ إلَّا بدَليلٍ؛ إذِ الأصلُ بَراءةُ الذِّمَّةِ، فيَجِبُ استِصحابُها حَتَّى يَدُلَّ على الوُجوبِ دَليلٌ شَرعيٌّ، فإذا لَم يوجَدِ الدَّليلُ فلا وُجوبَ؛ لأنَّ اللَّهَ تَعالى لا يَتَعَبَّدُ الخَلقَ بفَرضٍ إلَّا ويَجعَلُ إلى مَعرِفَتِه طَريقًا مِن جِهةِ الدَّليلِ، فلَمَّا لَم نَجِدْ ما يَدُلُّ على الوُجوبِ دَلَّنا ذلك على أنَّه لا واجِبَ هناكَ، فيُستَدَلُّ بعَدَمِ الدَّليلِ على نَفيِ الوُجوبِ
[3718] يُنظر: ((نهاية المطلب)) لأبي المعالي الجويني (1/330)، ((العدة)) لأبي يعلى (1/72 و131)، ((التبصرة)) للشيرازي (ص: 531)، ((قواطع الأدلة)) للسمعاني (2/44)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (6/389). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفَرِّعةٌ مِن قاعِدةِ: (الأصلُ بَراءةُ الذِّمَّةِ فيما يَتَعَلَّقُ بالحُقوقِ)، ووَجهُ تَفَرُّعِها عنها أنَّ ما أشكَلَ وُجوبُه مِن غَيرِ يَقينٍ فالأصلُ بَراءةُ الذِّمَّةِ مِنه؛ لأنَّ الأصلَ بَراءةُ الذِّمَّةِ فيما يَتَعَلَّقُ بالحُقوقِ والالتِزاماتِ إلى أن يَثبُتَ الوُجوبُ بيَقينٍ.
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ، والإجماعِ، والقَواعِدِ:
1- مِنَ السُّنَّةِ:عن أسماءَ بنتِ أبي بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنهما، قالت: (أفطَرنا على عَهدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَومَ غَيمٍ، ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمسُ)
[3719] أخرجه البخاري (1959). .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّهم أفطَروا في النَّهارِ بناءً على أنَّ الشَّمسَ قد غَرَبَت فهم جاهلونَ لا بالحُكمِ الشَّرعيِّ ولَكِن بالحالِ، ولَم يَأمُرهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالقَضاءِ، ولَو كان القَضاءُ واجِبًا لَأمَرَهم به؛ لأنَّه مِن شَريعةِ اللهِ، وإذا كان مِن شَريعَتِه لَكان مَحفوظًا تَنقُلُه الأُمَّةُ؛ لأنَّه مِمَّا تَتَوافَرُ الدَّواعي لنَقلِه، فلَمَّا لَم يُحفَظْ ولَم يُنقَلْ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دَلَّ على أنَّ الأصلَ بَراءةُ الذِّمَّةِ، وعَدَمُ القَضاءِ
[3720] يُنظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (6/389). .
2- مِنَ الإجماع:ومِمَّن نَقَلَه: القاضي أبو يَعلى
[3721] قال: (استِصحابُ الحالِ، وهو على ضَربَينِ: أحَدُهُما: استِصحابُ بَراءةِ الذِّمَّةِ مِنَ الوُجوبِ حَتَّى يَدُلَّ دَليلٌ شَرعيٌّ عليه. وهَذا صَحيحٌ بالإجماعِ مِن أهلِ العِلمِ، والِاحتِجاجُ به سائِغٌ). ((العدة)) (4/1262). .
3- مِنَ القواعِدِ:فيُستَدَلُّ لَها بالقاعِدةِ الأُمِّ: (الأصلُ بَراءةُ الذِّمَّةِ فيما يَتَعَلَّقُ بالحُقوقِ).
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، منها:
1- الوِترُ مَندوبٌ ليس بواجِبٍ؛ لأنَّ طَريقَ وُجوبِه الشَّرعُ، ولَم يوجَدْ، فوجَبَ أن لا يَكونَ واجِبًا، وأن تَكونَ ذِمَّةُ المُكَلَّفِ بَريئةً مِنه كما كانت قَبلُ؛ لوُجوبِ الرُّجوعِ إلى بَراءةِ الذِّمَّةِ في الأصلِ
[3722] يُنظر: ((الفقيه والمتفقهـ)) للخطيب البغدادي (1/526)، ((الإشارة)) للباجي (ص: 323). .
2- لا تَجِبُ الزَّكاةُ في الخَيلِ؛ لأنَّ الأصلَ بَراءةُ الذِّمَّةِ في إيجابِ الزَّكاةِ فيها، فمَنِ ادَّعى إيجابَها فعليه الدَّليلُ، فيَجِبُ استِصحابُ بَراءةِ الذِّمَّةِ حَتَّى يَدُلَّ دَليلٌ شَرعيٌّ على الوُجوبِ
[3723] يُنظر: ((رسالة في أصول الفقهـ)) للعكبري (ص: 135). .
3- لا تَجِبُ الكَفَّارةُ بغَيرِ الجِماعِ في صيامِ رَمَضانَ؛ لأنَّه لَم يَرِدْ به نَصٌّ، والأصلُ بَراءةُ الذِّمَّةِ، فلا يَثبُتُ شَغلُها إلَّا بدَليلٍ مِن نَصٍّ، أو إجماعٍ، أو قياسٍ، ولَم يوجَدْ واحِدٌ مِنها، وإنَّما ورَدَ النَّصُّ وثَبَتَ الإجماعُ في الجِماعِ في نَهارِ رَمَضانَ
[3724] يُنظر: ((حاشية الروض المربع)) لابن قاسم (3/417). .