المَطلَبُ الأوَّلُ: في التَّزاحُمِ على الحُقوقِ: لا يُقدَّمُ أحَدٌ على أحَدٍ إلَّا بمُرَجِّحٍ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ. استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "في التَّزاحُمِ على الحُقوقِ: لا يُقدَّمُ أحَدٌ على أحَدٍ إلَّا بمُرَجِّحٍ"
[3333] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (1/294). ، وصيغةِ: "لا يُقدَّمُ أحَدٌ في التَّزاحُمِ على الحُقوقِ إلَّا بمُرَجِّحٍ"
[3334] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 340)، ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 313)، ((قواعد الفقهـ)) للبركتي (ص: 113). ، وصيغةِ: "تَقديمُ البَعضِ على البَعضِ يَستَدعي وُجودَ المُرَجِّحِ"
[3335] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/373). ، وصيغةِ: "إذا تَزاحَمَ الحَقَّانِ، ولَم يُقدَّرْ سَبقُ أحَدِهما الآخَرَ رُجِّحَ بَينَهما فقُدِّمَ أقواهما"
[3336] يُنظر: ((شرح التلقين)) للمازري (3/1/330). ، وصيغةِ: "إذا تَزاحَمَتِ الحُقوقُ بُدِئَ بالأقرَبِ فالأقرَبِ"
[3337] يُنظر: ((المفهم)) للقرطبي (6/526). ، وصيغةِ: "إذا تَزاحَمَتِ الحُقوقُ أُخِذَ بالأسبَقِ"
[3338] يُنظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (10/266)، ((المعاملات المالية المعاصرة)) للدبيان (10/414). ، وصيغةِ: "الحَقُّ السَّابِقُ أولى"
[3339] يُنظر: ((الفروق)) للكرابيسي (2/208). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ. تُفيد القاعِدةُ أنَّه عِندَ التَّزاحُمِ على الحُقوقِ والتَّنازُعِ فيها ولَم يوجَدْ تَعيينٌ وجَبَ التَّرجيحُ، ولا يُقدَّمُ فيها أحَدٌ على أحَدٍ إلَّا بمُرَجِّحٍ، كما في الطَّريقِ والحيطانِ وغَيرِها مِنَ الحُقوقِ المُشتَرَكةِ، فإذا تَزاحَمَتِ الحُقوقُ وادَّعى كُلٌّ لنَفسِه حَقًّا وجَبَ أن يُرَجَّحَ مَن يَتَمَسَّكُ بالحُجَّةِ الظَّاهرةِ. ومِن أسبابِ التَّرجيحِ عِندَ التَّزاحُمِ على الحُقوقِ: التَّرجيحُ بالسَّبقِ، كازدِحامِ الخُصومِ في الدَّعوى، والازدِحامِ في الأحياءِ. ومِنها: التَّرجيحُ بالقُرعةِ، كازدِحامِ الأولياءِ في النِّكاحِ. ومِنها: التَّرجيحُ بالخَبَرِ الصَّحيحِ
[3340] يُنظر: ((العزيز)) للرافعي (5/96)، ((المنثور)) للزركشي (1/294)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 340)، ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 313)، ((حجة الله البالغة)) للدهلوي (2/222)، ((المعاملات المالية المعاصرة)) للدبيان (17/388). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ. يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ:
فعن أبي هرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه، قال:
((جاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: مَن أحَقُّ النَّاسِ بحُسنِ صَحابَتي؟ قال: "أُمُّكَ" قال: ثُمَّ مَن؟ قال: "ثُمَّ أُمُّكَ" قال: ثُمَّ مَن؟ قال: "ثُمَّ أُمُّكَ" قال: ثُمَّ مَن؟ قال: "ثُمَّ أبوكَ )) [3341] أخرجه مسلم (2548). . وفي رواية:
((ثمَّ أدناك أدناك)) [3342] أخرجها مسلم (2548). .
وَجهُ الدَّلالةِ: أنَّ قَولَه:
((ثُمَّ أدناكَ أدناكَ)) يَعني: أنَّكَ إذا قُمتَ ببِرِّ الأبَوينِ تَعَيَّنَ عليكَ القيامُ بصِلةِ رَحِمِكَ، وتَبدَأُ مِنهم بالأقرَبِ إلَيكَ نَسَبًا فالأقرَبِ، فكان التَّرجيحُ بالأقرَبِ، وهذا كُلُّه عِندَ تَزاحُمِ الحُقوقِ، وأمَّا عِندَ التَّمَكُّنِ مِنَ القيامِ بحُقوقِ الجَميعِ، فيَتَعَيَّنُ القيامُ بجَميعِ ذلك
[3343] يُنظر: ((المفهم)) للقرطبي (6/509). .
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ. مِنَ الأمثلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- إذا ماتَ اثنانِ أحَدُهما بَعدَ الآخَرِ، وهناكَ ماءٌ يَكفي أحَدَهما لغُسلِه، فالأوَّلُ أولى به؛ لأنَّ غُسلَه وجَبَ عِندَ مَوتِه، فلا يَتَغَيَّرُ حُكمُه بمَوتِ الآخَرِ بَعدَه. ولَو كان وُجودُ الماءِ بَعدَ مَوتِهما لَم يُقدَّمِ الأوَّلُ مِنهما، بَل يَجِبُ الرُّجوعُ إلى مَعرِفةِ أفضَلِهما وأورَعِهما فيُقدَّمُ، فإن تَساويا يُتَخَيَّرُ بَينَهما
[3344] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (1/295)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 340). .
2- إذا أقَرَّ الوارِثُ بدَينٍ لإنسانٍ، ثُمَّ بدَينٍ آخَرَ لغَيرِه، والتَّرِكةُ لا تَفي بهما، فالدَّينُ الأوَّلُ أولى. وقال الشَّافِعيُّ: التَّرِكةُ بَينَهما؛ لأنَّ الوارِثَ يَقومُ مَقامَ المورِّثِ، والمورِّثُ لَو أقَرَّ على التَّعاقُبِ كانا مِن مالِه على السَّواءِ
[3345] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (1/296). .
3- إذا باعَ أحَدٌ شَيئًا ولَم يَقبِضْ ثَمَنَه مِنَ المُشتَري إلى أن حُجِرَ على المُشتَري بالفَلَسِ، ثُمَّ وجَدَ البائِعُ عَينَ مالِه ولَكِنَّه مَرهونٌ، فلا يَأخُذُه؛ لأنَّ حَقَّ المُرتَهنِ سابِقٌ لحَقِّه؛ فإنَّه تَعَلَّقَ بالمالِ بعَقدِ الرَّهنِ، وحَقُّ البائِعِ تَعَلَّقَ بالمالِ بنَفسِ الحَجرِ، والرَّهنُ سابِقٌ، والإعسارُ مُتَأخِّرٌ
[3346] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (1/297). .
انظر أيضا:
عرض الهوامش