موسوعة القواعد الفقهية

المطلبُ الأوَّلُ: بَيانُ مَحَلِّ الخِلافِ


لتَناوُلِ مَذاهِبِ العُلَماءِ في الاحتِجاجِ بالقَواعِدِ الفِقهيَّةِ أو عَدَمِ الاحتِجاجِ بها لا بدَّ مِن بيانِ أقسامِ القَواعِدِ الفِقهيَّةِ بما يُفيدُ في مَعرِفةِ مَذاهِبِ العُلَماءِ في الاحتِجاجِ بها، فالقَواعِدُ الفِقهيَّةُ بهذا الاعتِبارِ نَوعانِ [389] يُنظر: ((القواعد الفقهية)) ليعقوب الباحسين (ص: 265- 282)، ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (1/1/44- 49)، ((الاستدلال بالقواعد والضوابط الفقهية)) لسناء رحماني (ص: 104- 134). :
1- القَواعِدُ الفِقهيَّةُ التي مَصدَرُها النُّصوصُ: فقد تَكونُ قَواعِدَ مَنصوصًا عليها، كَقاعِدةِ "الأعمالُ بالنِّيَّاتِ"، و "لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ"، وقد تَكونُ قَواعِدَ مُستَنبَطةً، كَقاعِدةِ "العادةُ مُحَكَّمةٌ".
فالقَواعِدُ التي مَصدَرُها النَّصُّ سَواءٌ جاءَت مُطابِقةً للَفظِ النَّصِّ أو لمَعناه تُعتَبَرُ حَقيقةً مِن أُصولِ الشَّريعةِ وكُلِّيَّاتِها، ويَنبَغي في مِثلِ هذه القَواعِدِ ألَّا تَكونَ في حُجِّيَّتِها وصَلاحيَّتِها للِاستِدلالِ بها مَحَلَّ اختِلافٍ ونَظَرٍ؛ ذلك أنَّها لكَثرةِ الأدِلَّةِ التي نَهَضَت بمَعناها غَدَت مَعانيَ عامَّةً تَشهَدُ لها العَديدُ مِن نُصوصِ الشَّريعةِ الإسلاميَّةِ وجُزئيَّاتِها، ولَها مَرتَبةُ النَّصِّ العامِّ سَواءً بسَواءٍ مِن حَيثُ الرُّتبةُ والِاعتِبارُ والمَكانةُ، ويَتَحَقَّقُ في هذه القَواعِدِ وغَيرِها مَفهومُ ما أطلَقَ عليه الإمامُ الشَّاطِبيُّ مُصطَلَحَ "العُمومِ المَعنَويِّ" [390] يُنظر: ((الموافقات)) للشاطبي (4/7). ، ويُقصَدُ به: الأصلُ العامُّ المُستَفادُ مِنِ استِقراءِ النُّصوصِ والوقائِعِ الجُزئيَّةِ التي يَجمَعُ بَينَ كُلِّ طائِفةٍ مِنها مَعنًى واحِدٌ مُشتَرَكٌ، ويَنتَظِمُها جَميعًا [391] يُنظر: ((الاستدلال بالقواعد والضوابط الفقهية)) لسناء رحماني (ص: 102). .
فهذه القَواعِدُ والضَّوابِطُ الفِقهيَّةُ المُستَنِدةُ إلى نُصوصٍ شَرعيَّةٍ بلَفظِها أو بمَعناها هيَ حُجَّةٌ ودَليلٌ تُستَنبَطُ مِنها الأحكامُ الشَّرعيَّةُ، ومدرَكٌ يُؤخَذُ به في التَّعليلِ والتَّرجيحِ؛ لأنَّها تَستَمِدُّ قوَّةَ حُجِّيَّتِها مِن قوةِ النُّصوصِ المُستَنِدةِ إليها، فهذه القَواعِدُ لا خِلافَ في حُجِّيَّتِها واعتِبارِها [392] يُنظر: ((القاعدة الفقهية حجيتها وضوابط الاستدلال بها)) لرياض خليفي (ص: 303). .
ويُشتَرَطُ للِاحتِجاجِ بهذا النَّوعِ مِنَ القَواعِدِ الفِقهيَّةِ المُطابِقةِ للنَّصِّ:
- أن يَكونَ النَّصُّ الوارِدُ ظاهِرَ المُطابَقةِ لمَعنى القاعِدةِ الفِقهيَّةِ بلا تَكَلُّفٍ؛ حَتَّى لا يُحَمَّلَ النَّصُّ مَعنًى لا يَحتَمِلُه.
- وأن يَكونَ النَّصُّ الوارِدُ مُعتَبَرًا، فإن كانَ آيةً مِن كِتابِ اللهِ فشَرطُها ألَّا تَكونَ مَنسوخةً، وإن كانَ حَديثًا فيُشتَرَطُ كَونُه صَحيحَ الإسنادِ مُعتَبَرَ الدَّلالةِ [393] يُنظر: ((القاعدة الفقهية حجيتها وضوابط الاستدلال بها)) لرياض خليفي (ص: 297)، ((الاستدلال بالقواعد والضوابط الفقهية)) لسناء رحماني (ص: 102- 103). .
2- القَواعِدُ الفِقهيَّةُ التي مَصدَرُها غَيرُ النُّصوصِ: وهذا هو مَحَلُّ الخِلافِ بَينَ العُلَماءِ.

انظر أيضا: