موسوعة القواعد الفقهية

المَبحَثُ السَّادِسُ: شُبهةُ الشُّبهةِ غَيرُ مُعتَبَرةٍ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "شُبهةُ الشُّبهةِ غَيرُ مُعتَبَرةٍ" [3059] يُنظر: ((شرح الزيادات)) لقاضي خان (2/548)، ((الهداية)) للمرغيناني (3/62)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/229)، ((فتح القدير)) لابن الهمام (5/276)، ((درر الحكام)) لملا خسرو (2/172)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (5/69)، ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/625). ، وصيغةِ: "شُبهةُ الشُّبهةِ لا تُعتَبَرُ" [3060] يُنظر: ((شرح الزيادات)) لقاضي خان (2/548)، ((الدر المختار)) للحصكفي (ص: 326)، ((حاشية ابن عابدين)) (4/110). ، وصيغةِ: "شُبهةُ الشُّبهةِ ساقِطةُ الاعتِبارِ" [3061] يُنظر: ((البحر الرائق)) لابن نجيم (4/153). ، وصيغةِ: "شُبهةُ الشُّبهةِ غَيرُ مُعتَبَرةٍ في دَرءِ الحَدِّ" [3062] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/83). ، وصيغةِ: "شُبهةُ الشُّبهةِ لا تُسقِطُ العُقوباتِ" [3063] يُنظر: ((حاشية الشلبي على تبيين الحقائق)) (1/342)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/405). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
اشتَهَرَ استِعمالُ هذه القاعِدةِ عِندَ الحَنَفيَّةِ، وهيَ تُفيدُ أنَّ الشُّبهةَ لمَّا كانت تَنزِلُ إلى شُبهةِ الشُّبهةِ، فالشُّبهةُ هيَ المُعتَبَرةُ دونَ شُبهةِ الشُّبهةِ النَّازِلةِ عنها؛ إذ هيَ احتِمالٌ مَوهومٌ، والشُّبهةُ هيَ المُحَقَّقةُ المَوجودةُ لا المَوهومةُ، كما أنَّ شُبهةَ الشُّبهةِ لَوِ اعتُبِرَت لاعتُبِرَ ما دونَها أيضًا؛ دَفعًا للتَّحَكُّمِ، واعتِبارُ شُبهةِ الشُّبهةِ وما دونَها يُؤَدِّي إلى سَدِّ بابِ إقامةِ الحُدودِ؛ لأنَّ ثُبوتَ الحَدِّ يَكونُ بالبَيِّنةِ أوِ الإقرارِ، ويَحتَمِلُ أن يَرجِعَ المُقِرُّ أوِ الشُّهودُ، وذلك لا يُعتَبَرُ؛ لأنَّ نَفسَ هذا الرُّجوعِ شُبهةٌ، واحتِمالُه شُبهةُ الشُّبهةِ [3064] يُنظر: ((الهداية)) للمرغيناني (3/53)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/185)، ((العناية)) للبابرتي (6/475)، ((البناية)) للعيني (7/66)، ((فتح القدير)) لابن الهمام (6/474)، ((حاشية ابن عابدين)) (4/32). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ:
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالإجماعِ:
ومِمَّن نَقَلَه: ابنُ نُجَيمٍ [3065] قال: (شُبهةُ الشُّبهةِ ساقِطةُ الاعتِبارِ بالإجماعِ). ((البحر الرائق)) (4/153). .
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ:
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- إذا شَهدَ الشُّهودُ على رَجُلٍ بأنَّه سَرَقَ مِن فُلانٍ وهو غائِبٌ، لم يُقطَعْ؛ لأنَّ غَيبةَ المالِكِ تَنعَدِمُ بها الدَّعوى، وهيَ شَرطٌ في السَّرِقةِ بخِلافِ الزِّنا، وبِالحُضورِ يُتَوهَّمُ دَعوى الشُّبهةِ، ولا مُعتَبَرَ بالمَوهومِ؛ لأنَّه شُبهةُ الشُّبهةِ، واعتِبارُها يُؤَدِّي إلى سَدِّ بابِ الحُدودِ؛ لأنَّ المُقِرَّ يُحتَمَلُ أن يَرجِعَ، فرُجوعُه شُبهةٌ فيُدرَأُ به الحَدُّ، واحتِمالُ رُجوعِه شُبهةُ الشُّبهةِ فلا يَسقُطُ، وكَذا البَيِّنةُ يُحتَمَلُ رُجوعُها، فرُجوعُها حَقيقةُ شُبهةٍ، واحتِمالُه شُبهةُ الشُّبهةِ [3066] يُنظر: ((البحر الرائق)) لابن نجيم (5/22). .
2- إذا سَرَقَ رَجُلانِ، وغاب أحَدُهما، وشَهِدَ على سَرِقَتِهما، قُطِع الحاضِرُ؛ لأنَّ سَرِقةَ الحاضِرِ تَثبُتُ بالحُجَّةِ، فلا يُعتَبَرُ المَوهومُ، وهو الغائِبُ، وإن كان رُبَّما يَدَّعي الشُّبهةَ عِندَ حُضورِه؛ لأنَّه لو حَضَرَ وادَّعى كان شُبهةً، واحتِمالُ دَعوى الشُّبهةِ مِنَ الغائِبِ شُبهةُ الشُّبهةِ، فلا تُعتَبَرُ [3067] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/230)، ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/626). .

انظر أيضا: