موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الثَّاني: قَولُ المُتَّهَمِ لا يَكونُ حُجَّةً


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "قَولُ المُتَّهَمِ لا يَكونُ حُجَّةً" [2964] يُنظر: ((شرح السير الكبير)) للسرخسي (ص: 295). ، وصيغةِ: "قَولُ المُتَّهَمِ ليس بحُجَّةٍ" [2965] يُنظر: ((قواعد الفقهـ)) للبركتي (ص: 99). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
قَولُ المُتَّهَمِ مَردودٌ؛ حَيثُ يَغلِبُ على الظَّنِّ كَذِبُه؛ لأنَّ تُهمَتَه ظاهرةٌ فلَم يوثَقْ مِنه إلى خَبَرٍ؛ لأنَّه قَولٌ مِن جُملةِ أقوالِه، فلا نَعرِفُ صِدقَه مَن كَذِبِه؛ فإنَّ وافِري العَقلِ يَتَجَنَّبونَ قَولَ المُتَّهَمِ؛ فلا يَسألونَ عنِ الشَّاهدِ عَدوَّه، فيُظهِرُ قَبيحًا ويُخفي حَسَنًا، أو صَديقَه، فيُظهِرُ حَسَنًا ويُخفي قَبيحًا [2966] يُنظر: ((شرح السير الكبير)) للسرخسي (ص: 295)، ((الواضح)) لابن عقيل (4/381)، ((كفاية النبيهـ)) لابن الرفعة (18/97)، ((قواعد الفقهـ)) للبركتي (ص: 99). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِنَ القاعِدةِ الأُمِّ (التُّهمةُ تَقدَحُ في التَّصَرُّفاتِ)؛ لأنَّ قَولَ المُتَّهَمِ مَردودٌ؛ لمَحَلِّ التُّهمةِ؛ إذِ التُّهمةُ تَقدَحُ في تَصَرُّفاتِ المُتَّهَمِ.
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالإجماعِ والقَواعِدِ:
1- مِنَ الإجماعِ:
فقد نَفى ابنُ قُدامةَ الخِلافَ في بَعضِ صُوَرِ القاعِدةِ، وهو عَدَمُ قَبولِ قَولِ المُتَّهَمِ في الجَرحِ [2967] قال: (لا يُقبَلُ الجَرحُ مِنَ الخَصمِ بلا خِلافٍ بَينَ العُلَماءِ. فلَو قال المَشهودُ عليه: هذان فاسِقانِ، أو عَدوَّانِ لي، أو آباءٌ للمَشهودِ له، لم يُقبَلْ قَولُه؛ لأنَّه مُتَّهَمٌ في قَولِه، ويَشهَدُ بما يَجُرُّ إليه نَفعًا، فأشبَه الشَّهادةَ لنَفسِهـ). ((المغني)) (14/50). .
2- مِنَ القَواعِدِ:
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ (التُّهمةُ تَقدَحُ في التَّصَرُّفاتِ).
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- إذا أكَلَ في يَومِ الثَّلاثينَ مِن رَمَضانَ، وادَّعى أنَّه رَأى الهلالَ، فإنَّه يُعَزَّرُ؛ لأنَّه مُتَّهَمٌ في قَولِه؛ لاحتِمالِ أن تَكونَ نيَّتُه هيَ دَفعَ العُقوبةِ عنه. ولَو شَهدَ أوَّلًا ثُمَّ أكَلَ، لم يُعَزَّرْ [2968] يُنظر: ((مطالع الدقائق)) للإسنوي (2/211). .
2- إذا وَجدَ المُسلِمونَ حَربيًّا في دارِ الإسلامِ فقال: دَخَلتُ بأمانٍ، لم يُصَدَّقْ؛ لأنَّه صارَ مَأخوذًا مَقهورًا بمَنعِه الدَّارَ، فهو مُتَّهَمٌ فيما يَدَّعي مِنَ الأمانِ، وقَولُ المُتَّهَمِ لا يَكونُ حُجَّةً [2969] يُنظر: ((شرح السير الكبير)) للسرخسي (ص: 295). .
3- لا يُقبَلُ الجَرحُ مِنَ الخَصمِ. فلَو قال المَشهودُ عليه: هذان فاسِقانِ، أو عَدوَّانِ لي، أو آباءٌ للمَشهودِ له: لم يُقبَلْ قَولُه مُجَرَّدًا مِنَ البَيِّنةِ؛ لأنَّه مُتَّهَمٌ في قَولِه، ويَشهَدُ بما يَجُرُّ إليه نَفعًا، فأشبَهَ الشَّهادةَ لنَفسِه، ولَو قَبِلنا قَولَه لم يَشَأْ أحَدٌ أن يُبطِلَ شَهادةَ مَن شَهدَ عليه إلَّا أبطَلَها، فتَضيعُ الحُقوقُ، وتَذهَبُ حِكمةُ شَرعِ البَيِّنةِ [2970] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (14/50)، ((النظام القضائي)) لمحمد رأفت عثمان (ص: 358). .

انظر أيضا: