المَطلَبُ الأوَّلُ: ما أدَّى إلى الحَرامِ فهو حَرامٌ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "ما أدَّى إلى الحَرامِ فهو حَرامٌ"
[2470] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/157)، ((قواعد الأحكام)) للعز بن عبد السلام (2/218). ، وصيغةِ: "وسيلةُ المُحَرَّمِ مُحَرَّمةٌ"
[2471] يُنظر: ((الفروق)) (2/33)، ((الذخيرة)) (1/153) كلاهما للقرافي، ((تبصرة الحكام)) لابن فرحون (2/365). ، وصيغةِ: "ما يُقطَعُ بتَوصيلِه إلى الحَرامِ فهو حَرامٌ"
[2472] يُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (8/93). ، وصيغةِ: "المُفضي إلى الحَرامِ حَرامٌ"
[2473] يُنظر: ((بذل المجهود)) للسهارنفوري (8/544). ، وصيغةِ: "ما لا خَلاصَ مِنَ الحَرامِ إلَّا باجتِنابِه ففِعلُه حَرامٌ"
[2474] يُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (8/ 90)، ((إرشاد الفحول)) للشوكاني (2/ 194). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.مَوارِدُ الأحكامِ تَكونُ على قِسمَينِ: مَقاصِدُ: وهيَ المُتَضَمِّنةُ للمَصالِحِ والمَفاسِدِ في أنفُسِها، ووسائِلُ: وهيَ الطُّرُقُ المُفضيةُ إلى المَقاصِدِ، وحُكمُ الوسائِلِ حُكمُ ما أفضَت إليه مِن تَحريمٍ أو تَحليلٍ، فالوسائِلُ التي تُفضي إلى الحَرامِ تَكونُ حَرامًا؛ لأنَّها تُفضي إليه، فلَو لم تُحَرَّمْ لأدَّى ذلك إلى التَّناقُضِ، فالمُباحاتُ إذا اتُّخِذَت وسائِلَ للمُحَرَّماتِ كان حُكمُها التَّحريمَ
[2475] يُنظر: ((الفروق)) (2/33)، ((الذخيرة)) (1/153) كلاهما للقرافي، ((تبصرة الحكام)) لابن فرحون (2/365)، ((الفوائد السنية)) للبرماوي (5/2128). .
وقد أشارَ ابنُ القَيِّمِ إلى ذلك، فقال: (فإذا حَرَّمَ الرَّبُّ تعالى شَيئًا ولَه طُرُقٌ ووسائِلُ تُفضي إليه فإنَّه يُحَرِّمُها ويَمنَعُ مِنها؛ تَحقيقًا لتَحريمِه وتَثبيتًا له ومَنعًا أن يُقرَبَ حِماه، ولَو أباحَ الوسائِلَ والذَّرائِعَ المُفضيةَ إليه لكان ذلك نَقضًا للتَّحريمِ، وإغراءً للنُّفوسِ به، وحِكمَتُه تعالى وعِلمُه يَأبى ذلك كُلَّ الإباءِ، بَل سياسةُ مُلوكِ الدُّنيا تَأبى ذلك؛ فإنَّ أحَدَهم إذا مَنَعَ جُندَه أو رَعيَّتَه أو أهلَ بَيتِه مِن شَيءٍ ثُمَّ أباحَ لهمُ الطُّرُقَ والأسبابَ والذَّرائِعَ الموصِلةَ إليه لعُدَّ مُتَناقِضًا، ولَحَصَل مِن رَعيَّتِه وجُندِه ضِدُّ مَقصودِه، وكذلك الأطِبَّاءُ إذا أرادوا حَسْمَ الدَّاءِ مَنَعوا صاحِبَه مِنَ الطُّرُقِ والذَّرائِعِ الموصِلةِ إليه، وإلَّا فسَدَ عليهم ما يَرومونَ إصلاحَه، فما الظَّنُّ بهذه الشَّريعةِ الكامِلةِ التي هيَ في أعلى دَرَجاتِ الحِكمةِ والمَصلَحةِ والكَمالِ؟ ومَن تَأمَّل مَصادِرَها ومَوارِدَها عَلِمَ أنَّ اللَّهَ تعالى ورَسولَه سَدَّ الذَّرائِعَ المُفضيةَ إلى المَحارِمِ، بأن حَرَّمَها ونَهى عنها)
[2476] ((إعلام الموقعين)) (4/3). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.دَلَّ على هذه القاعِدةِ ما سَبَقَ مِن أدِلَّةٍ في قاعِدةِ (للوسائِلِ أحكامُ المَقاصِدِ).
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ. يَتَخَرَّجُ على هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- البَيعُ بَعدَ نِداءِ الجُمُعةِ الموجِبِ لسَعيِ المُتَبايِعَينِ أو أحَدِهما حَرامٌ؛ لأنَّه وسيلةٌ إلى التَّخَلُّفِ عنِ الجُمُعةِ أو فَواتِ بَعضِها، ووسيلةُ المُحرَّمِ مُحَرَّمةٌ
[2477] يُنظر: ((جامع الأمهات)) لابن الحاجب (ص:351)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (11/164)، ((تبصرة الحكام)) لابن فرحون (2/365)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/463). .
2- لا يَجوزُ بَيعُ آلاتِ الحَربِ للكُفَّارِ المُحارِبينَ؛ لأنَّه وسيلةٌ لتَقويَتِهم على المُسلِمينَ
[2478] يُنظر: ((التوضيح في شرح المختصر)) لخليل (5/199)، ((تبصرة الحكام)) لابن فرحون (2/365)، ((منح الجليل)) لعليش (4/443). .
3- شُربُ جُرعةٍ مِنَ الخَمرِ حَرامٌ؛ لأنَّها وإن لم تُسكِرْ فإنَّها تُؤَدِّي به إلى السُّكرِ، وما يُؤَدِّي إلى الحَرامِ يَكونُ حَرامًا
[2479] يُنظر: ((البناية)) للعيني (12/ 381). .
4- بَيعُ العِنَبِ مِمَّن يَعصِرُه خَمرًا حَرامٌ؛ لأنَّه إذا باعَه مِمَّن يَصنَعُه خَمرًا لشُربِه صارَ مُعينًا على ما لا يَحِلُّ
[2480] يُنظر: ((شرح التلقين)) للمازري (2/ 431). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.استِثناءٌ: تُعتَبَرُ هذه القاعِدةُ: "قد تَكونُ وسيلةُ المُحَرَّمِ غَيرَ مُحرَّمةٍ إذا أفضَت إلى مَصلَحةٍ راجِحةٍ"
[2481] يُنظر: ((الفروق)) (2/33)، ((الذخيرة)) (1/153) كلاهما للقرافي، ((تبصرة الحكام)) لابن فرحون (2/366). استِثناءً مِن قاعِدةِ: "ما أدَّى إلى الحَرامِ فهو حَرامٌ" فهذه القاعِدةُ الأُمُّ ليسَت على عُمومِها، بَل قد يَكونُ المَقصَدُ مُحَرَّمًا ووسيلَتُه ليسَت مُحَرَّمةً، وذلك إذا ما أفضَت هذه الوسيلةُ إلى مَصلَحةٍ راجِحةٍ على مَفسَدةِ المُحرَّمِ؛ لأنَّها إذا كانت راجِحةً وجَبَ اعتِبارُها؛ إذِ العَمَلُ بالرَّاجِحِ مُتَعَيِّنٌ في جَميعِ مَوارِدِ الشَّريعةِ
[2482] يُنظر: ((رفع النقاب عن تنقيح الشهاب)) للشوشاوي (6/215،214). .
ومِنَ الأمثِلةِ على ذلك:
1- التَّوسُّلُ إلى فِداءِ الأسرى بدَفعِ المالِ إلى العَدوِّ الكافِرِ في فِديةِ المُسلِمِ، فهو جائِزٌ، وإن كان وسيلةً إلى مُحرَّمٍ، وهو تَصَرُّفُ الكافِرِ فيه بغَيرِ حَقٍّ؛ لكَونِه مُخاطَبًا بفُروعِ الشَّريعةِ
[2483] يُنظر: ((الفروق)) (2/33)، ((الذخيرة)) (1/154)، كلاهما للقرافي، ((تبصرة الحكام)) لابن فرحون (2/366)، ((رفع النقاب)) للشوشاوي (6/215). .
2- دَفعُ المالِ للزَّاني ليَنزَجِرَ عنِ الزِّنا، فهو جائِزٌ إذا لم يُقدَرْ على انزِجارِه إلَّا بذلك، فهو مُباحٌ، وإن كان تَصَرُّفُ الزَّاني في ذلك المالِ بغَيرِ حَقٍّ حَرامًا
[2484] يُنظر: ((الفروق)) (2/33)، ((الذخيرة)) (1/154)، كلاهما للقرافي، ((تبصرة الحكام)) لابن فرحون (2/366)، ((رفع النقاب)) للشوشاوي (6/215). .
3- دَفعُ المالِ للمُحارِبِ ليَكُفَّ أذاه عن قِتالِ المُسلِمينَ، إذا كان ذلك صَلاحًا للمُسلِمينَ فهو جائِزٌ، وإن كان تَصَرُّفُ المُحارِبِ فيه بغَيرِ حَقٍّ حَرامًا
[2485] يُنظر: ((الفروق)) (2/33)، ((الذخيرة)) (1/154)، كلاهما للقرافي، ((تبصرة الحكام)) لابن فرحون (2/366)، ((رفع النقاب)) للشوشاوي (6/215). .