المَطلَبُ الثَّاني: مِنَ القَواعِدِ المُندَرِجةِ تَحتَ قاعِدةِ: الوسائِلُ أخفَضُ رُتبةً مِنَ المَقاصِدِ: يُغتَفرُ في الوسائِلِ ما لا يُغتَفرُ في المَقاصِدِ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ. استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "يُغتَفرُ في الوسائِلِ ما لا يُغتَفرُ في المَقاصِدِ"
[2461] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص:158)، ((أسنى المطالب)) (1/263)، ((الغرر البهية)) (2/24) كلاهما لزكريا الأنصاري. ، وصيغةِ: "الوسائِلُ يُغتَفرُ فيها ما لا يُغتَفرُ في الأُصولِ"
[2462] يُنظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/76). ، وصيغةِ: "يُغتَفرُ في الوسيلةِ ما لا يُغتَفرُ في المَقصودِ"
[2463] يُنظر: ((الغرر البهية)) لزكريا الأنصاري (2/19). وينظر أيضًا: ((الإنصاف)) للمرداوي (22/126). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ. الوسائِلُ طُرُقٌ تُوصِلُ إلى المَقصودِ، فهيَ ليسَت مَقصودةً لذاتِها، وإنَّما تُقصَدُ لغَيرِها، فلأجلِ ذلك يُغتَفرُ في الوسائِلِ ما لا يُغتَفرُ في المَقاصِدِ، فلَمَّا كان قَدرُ المَقاصِدِ أعظَمَ وأهَمَّ تَشَدَّد الشَّارِعُ فيها بما لا يتَشَدَّدُ بمِثلِه في الوسائِلِ، وتُسومِحَ في الوسيلةِ بما لا يُتَسامَحُ بمِثلِه في المَقصَدِ، وتُعتَبَرُ هذه القاعِدةُ تَطبيقًا لقاعِدةِ (الوسائِلُ أخفَضُ رُتبةً مِنَ المَقاصِدِ)
[2464] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص:158)، ((أسنى المطالب)) (1/263)، ((الغرر البهية)) كلاهما لزكريا الأنصاري (2/24)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (2/687). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ. يُستَدلُّ لهذه القاعدةِ بالقواعدِ التَّاليةِ:
1- قاعِدةُ: (يُغتَفرُ في التَّابِعِ ما لا يُغتَفرُ في المَتبوعِ).
2- قاعِدةُ: (الوسائِلُ أخفَضُ رُتبةً مِنَ المَقاصِدِ).
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ. يَتَخَرَّجُ على هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- جَزَم العُلَماءُ بمَنعِ تَوقيتِ الضَّمانِ، كَأن يَقولَ: أنا ضامِنٌ لزَيدٍ دَينَه على خالِدٍ إلى شَهرٍ أو إلى سَنةٍ، وجَرى في الكَفالةِ خِلافٌ؛ لأنَّ الضَّمانَ التِزامٌ بالمَقصودِ، وهو المالُ، والكَفالةَ التِزامٌ للوسيلةِ، ويُغتَفرُ في الوسائِلِ ما لا يُغتَفَرُ في المَقاصِدِ
[2465] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص:158). .
2- لم يَختَلِفِ العُلَماءُ في إيجابِ النِّيَّةِ للصَّلاةِ، واختَلَفوا في إيجابِها للوُضوءِ؛ لأنَّ الوُضوءَ وسيلةٌ، ويُغتَفرُ في الوسائِلِ ما لا يُغتَفَرُ في المَقاصِدِ
[2466] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص:158). .
3- ذَهَبَ بَعضُ العُلَماءِ إلى جَوازِ الوُضوءِ مِن آنيةِ الفِضَّةِ، مَعَ تَحريمِ استِعمالِ الفِضَّةِ، وفرَّقوا بَينَها وبَينَ الصَّلاةِ في الدَّارِ المَغصوبةِ بهذه القاعِدةِ، فقالوا: إنَّ الوُضوءَ وَسيلةٌ، ويُغتَفَرُ فيها ما لا يُغتَفَرُ في المَقاصِدِ
[2467] يُنظر: ((فتوحات الوهاب)) للأزهري وحاشيته للجمل (1/ 57)، ((حاشية البجيرمي)) (1/ 113). .
4- جَوازُ العَمَلِ بخَبَرِ الواحِدِ في الشَّهادةِ لا في الحُدودِ، وعُلِّلَ ذلك بالفَرقِ بَينَ الحَدِّ والشَّهادةِ، على اعتِبارِ أنَّ الحَدَّ مَقصَدٌ، والشَّهادةَ وسيلةٌ، والوسائِلُ يُغتَفَرُ فيها ما لا يُغتَفَرُ في المَقاصِدِ
[2468] يُنظر: ((حاشية العطار على المحلي على جمع الجوامع)) (2/ 160). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.استِثناءاتٌ:ذَكَرَ بَعضُ العُلَماءِ صُوَرًا مُستَثناةً مِنَ القاعِدةِ، مِنها
[2469] يُنظر: ((إيضاح القواعد الفقهية)) للحجي (ص: 186). :
1- تَحريمُ التَّثليثِ في الوُضوءِ عِندَ ضِيقِ الوقتِ، مَعَ جَوازِ الاشتِغالِ بالسُّنَنِ في الصَّلاةِ إذا شرعَ فيها، وقد بَقيَ مِنَ الوقتِ ما يَسَعُها فقَط.
2- وُجوبُ استِعارةِ الدَّلوِ للماءِ، ووُجوبُ فِعلِ النَّزحِ للماءِ، أي استِقائِه مِنَ البِئرِ، وكُلُّها وسائِلُ، ولا يُغتَفَرُ تَركُها إذا ضاقَ الوقتُ عن طَلَبِ الماءِ؛ لأنَّه حينَئِذٍ يُعَدُّ واجِدًا للماءِ.
3- تَحريمُ أكلِ نَحوِ ثومٍ بقَصدِ إسقاطِ الجُمُعةِ.