موسوعة القواعد الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: الوسائِلُ أخفَضُ رُتبةً مِنَ المَقاصِدِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "الوسائِلُ أخفَضُ رُتبةً مِنَ المَقاصِدِ" [2449] يُنظر: ((الفروق)) (1/111)، ((نفائس الأصول)) (3/1261) كلاهما للقرافي. ، وصيغةِ: "الوسائِلُ أخفَضُ مِنَ المَقاصِدِ" [2450] يُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (2/65). ، وصيغةِ: "مُراعاةُ المَقاصِدِ مُقدَّمةٌ على رِعايةِ الوسائِلِ أبَدًا" [2451] يُنظر: ((القواعد)) للمقري (1/330). ، وصيغةِ: "المَقاصِدُ مُقدَّمةٌ على الوسائِلِ" [2452] يُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/20) و (4/190). ، وصيغةِ: "قَصدُ المَقاصِدِ أقوى مِن قَصدِ الوسائِلِ" [2453] يُنظر: ((شرح الخرشي على مختصر خليل)) (5/94). . وصيغةِ: "ما يُطلَبُ لذاتِه أشرَفُ وأفضَلُ مِمَّا يُطلَبُ لغَيرِه" [2454] يُنظر: ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (1/ 12). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تَقدَّمَ أنَّ الوسائِلَ هيَ الطُّرُقُ الموصِلةُ إلى المَقاصِدِ، فليست مَقصودةً لذاتِها، بَل مَقصودةٌ لغَيرِها، ولازِمُ ذلك أن تَكونَ أقَلَّ رُتبةً مِنَ المَقاصِدِ التي تُحَقِّقُها والتي يُتَوصَّلُ بها إليها، قال الغَزاليُّ: (اعلَمْ أنَّ الشَّيءَ النَّفيسَ المَرغوبَ فيه يَنقَسِمُ إلى ما يُطلَبُ لغَيرِه، وإلى ما يُطلَبُ لذاتِه، وإلى ما يُطلَبُ لذاتِه ولغَيرِه؛ فما يُطلَبُ لذاتِه أفضَلُ وأشرَفُ مِمَّا يُطلَبُ لغَيرِهـ) [2455] ((إحياء علوم الدين)) (1/12). ، فيَكونُ المَطلوبُ لذاتِه حينَئِذٍ مُقدَّمًا في الأهَمِّيَّةِ والمَكانةِ على المَطلوبِ لغَيرِه [2456] يُنظر: ((الفروق)) (1/111)، ((نفائس الأصول)) (3/1261) كلاهما للقرافي، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/680). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالإجماعِ:
ومِمَّن نَقَلَه: القَرافيُّ [2457] قال: (انعَقدَ الإجماعُ على أنَّ الوسائِلَ أخفَضُ رُتبةً مِنَ المَقاصِد). ((الفروق)) (1/111). وقال أيضًا: (الوسائِلُ أبَدًا أخفَضُ رُتبةً مِنَ المَقاصِدِ إجماعًا، فمَهما تَعارَضا تَعَيَّن تَقديمُ المَقاصِدِ على الوسائِلِ). ((الذخيرة)) (2/107). .
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- مَن أشكَلَ عليه أخَرَجَ مِنه شَيءٌ في الصَّلاةِ أو لا، فإنَّه يَبني على اليَقينِ عِندَ الجُمهورِ، وخالَف مالِكٌ، فقال: يَنقُضُ ذلك وُضوءَه، ورَجَّحَ العِراقيُّ ما ذَهَبَ إليه مالِكٌ؛ لأنَّه احتاطَ للصَّلاةِ، وهيَ مَقصَدٌ، وألغى الشَّكَّ في السَّبَبِ المُبرِئِ، وغَيرُه احتاطَ للطَّهارةِ، وهيَ وسيلةٌ، وألغى الشَّكَّ في الحَدَثِ النَّاقِضِ لها، والاحتياطُ للمَقاصِدِ أَولى مِنَ الاحتياطِ للوسائِلِ، فالطَّهارةُ مِن بابِ الوسائِلِ، والصَّلاةُ مِن بابِ المَقاصِدِ، وانعَقدَ الإجماعُ على أنَّ الوسائِلَ أخفَضُ رُتبةً مِنَ المَقاصِدِ، فكانتِ العِنايةُ بالصَّلاةِ وإلغاءُ المَشكوكِ فيه -وهو السَّبَبُ المُبرِئُ مِنها- أَولى مِن رِعايةِ الطَّهارةِ وإلغاءِ الحَدَثِ الواقِعِ لها [2458] يُنظر: ((الفروق)) للقرافي (1/111)، ((فتح الباري)) لابن حجر (1/238)، ((كوثر المعاني الدراري)) لمحمد الخضر (4/210). .
2- يَصِحُّ عِندَ مالِكٍ أذانُ الصَّبيِّ المُمَيِّزِ؛ لأنَّه من أهلِ التَّنَفُّلِ بالصَّلاةِ، فيَكونُ مِن أهلِ التَّنَفُّلِ بالأذانِ بطَريقِ الأَولى؛ لأنَّ الوسائِلَ أخفَضُ مِنَ المَقاصِدِ [2459] يُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (2/65،64). .
3- المُصَلِّي بالتَّيَمُّمِ إذا أُحضِرَ له الماءُ أثناءَ الصَّلاةِ هَل يَقطَعُها أو لا؟ فذَهَبَ مالِكٌ إلى أنَّ الصَّلاةَ لا تُقطَعُ، ويُكمِلُ المُصَلِّي صَلاتَه؛ لأنَّ الوُضوءَ وسيلةٌ والصَّلاةَ مَقصَدٌ، والمَقاصِدُ مُقدَّمةٌ على الوسائِلِ، فما دامَ قد شَرَعَ في المَقصَدِ فلا يُبطِلُه لأجلِ الوسيلةِ [2460] يُنظر: ((القواعد)) للمقري (1/330). .

انظر أيضا: