موسوعة القواعد الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: الاحتياطُ إنَّما يَكونُ بَعدَ ظُهورِ السَّبَبِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "الاحتياطُ إنَّما يَكونُ بَعدَ ظُهورِ السَّبَبِ" [2348] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (6/38). ، وصيغةِ: "لا مَعنى للِاحتياطِ قَبلَ ظُهورِ السَّبَبِ" [2349] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (6/43). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ الاحتياطَ -وهو حِفظُ النَّفسِ عنِ الوُقوعِ في المَأثَمِ بالأخذِ بأوثَقِ الوُجوهِ، وفِعلِ ما يُتَمَكَّنُ به مِن إزالةِ الشَّكِّ، والأخذِ بالحَزمِ، والتَّحَرُّزِ مِمَّا عَسى أن يَكونَ طَريقًا لمَفسَدةٍ؛ حَذَرًا مِن أن يَترُكَ شَيئًا مَطلوبًا، أو يَتَعَدَّى فيَفعَلَ شَيئًا غَيرَ مَطلوبٍ- إنَّما يَكونُ بَعدَ ظُهورِ السَّبَبِ الموجِبِ للِاحتياطِ وليس قَبلَه، فبِدونِ السَّبَبِ الموجِبِ للِاحتياطِ لا مَعنى للِاحتياطِ حينَئِذٍ؛ لأنَّه لا يَستَنِدُ إلى سَبَبٍ، بَل مُجَرَّد وساوِسَ لا يُلتَفَتُ إليها حينَئِذٍ، وقدِ انفرَدَ الحَنَفيَّةُ بذِكرِ هذه القاعِدةِ [2350] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (6/38، 43)، ((فتح القدير)) لابن الهمام (4/321)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (4/153). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
دَلَّ على هذه القاعِدةِ العَقلُ:
وهو أنَّ العَمَلَ بالاحتياطِ قَبلَ وُجودِ السَّبَبِ الموجِبِ له هو عَمَلٌ بما لم يَقُمْ على شَرعيَّتِه دَليلٌ مُعتَبَرٌ، كَما أنَّ فيه حَرَجًا ومَشَقَّةً، ولأنَّ العَمَلَ بالاحتياطِ قَبلَ وُجودِ سَبَبِه مِن قَبيلِ التَّوهُّمِ، ولا عِبرةَ بالتَّوهُّمِ [2351] يُنظر: ((معلمة زايد)) (9/209). .
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- إذا قال لامرَأتِه: إن لم أدخُلِ الدَّارَ اليَومَ فأنتِ طالِقٌ ثَلاثًا، ثُمَّ ماتَ بَعدَ مُضيِّ اليَومِ، ولا يُدرى أدخَلَ أم لم يَدخُلْ، فعليها عِدَّةُ الوفاةِ، وليس عليها العِدَّةُ بالحَيضِ؛ لأنَّ سَبَبَ وُجوبِ العِدَّةِ بالحَيضِ الطَّلاقُ، ووُقوعُ الطَّلاقِ بوُجودِ الشَّرطِ غَيرُ مَعلومٍ، ولا مَعنى للِاحتياطِ قَبلَ ظُهورِ السَّبَبِ [2352] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (6/43). .
2- التَّكفيرُ قَبلَ اليَمينِ لا يَجوزُ؛ لأنَّه تَقديمٌ للحُكمِ قَبلَ سَبَبِه، فلَم يَجُزْ [2353] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (13/ 483). ؛ لأنَّ سَبَبَ التَّكفيرِ هو الحِنثُ في اليَمينِ، والاحتياطُ إنَّما يَكونُ بَعدَ ظُهورِ السَّبَبِ لا قَبلَه.

انظر أيضا: