موسوعة القواعد الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: المَعدومُ شَرعًا كالمَعدومِ حِسًّا


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "قاعِدةُ: المَعدومُ شَرعًا كالمَعدومِ حِسًّا" [2042] يُنظر: ((الفروق)) (1/164)، ((الأمنية)) (ص: 52) كلاهما للقرافي، ((التوضيح)) لخليل (4/392)، ((تحبير المختصر)) لبهرام الدميري (3/224)، ((شرح ابن ناجي على متن الرسالة)) (1/416)، ((شرح حدود بن عرفة)) للرصاع (ص: 84)، ((التاج والإكليل)) للمواق (6/70)، ((رفع النقاب)) للشوشاوي (3/52). وقد عَبَّرَ ابنُ عَرَفةَ عن شُهرةِ هذه الصِّيغةِ للقاعِدةِ، فقال: (مِنَ القَضايا المَشهورةِ في الفِقهِ: المَعدومُ شَرعًا كالمَعدومِ حِسًّا). ((المختصر الفقهي)) (6/224). . وصيغةِ: "المَعدومُ شَرعًا كالمَعدومِ حَقيقةً" [2043] يُنظر: ((شرح المنهج المنتخب)) للمنجور (1/115). . وصيغةِ: "المَعدومُ شَرعًا هَل هو كالمَعدومِ حِسًّا أم لا؟" [2044] يُنظر: ((التوضيح)) لخليل (4/414)، ((إيضاح المسالك)) للونشريسي (1/138)، ((شرح المنهج المنتخب)) للمنجور (1/149). . وصيغةِ: "الفَقدُ الشَّرعيُّ كالفقدِ الحِسِّيِّ" [2045] يُنظر: ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/333)، ((هداية الراغب)) لابن قائد (1/150). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ المَعدومَ شَرعًا غَيرُ مَعدومٍ حِسًّا في الواقِعِ، وإنَّما هو كالمَعدومِ حسًّا، والمُرادُ بالعَدَمِ الشَّرعيِّ: عَدَمُ الاعتِدادِ بالشَّيءِ شَرعًا، كَأن يَقومَ بالعَينِ ما يَمنَعُ مِنَ التَّصَرُّفِ فيها، فالأمرُ إمَّا أن يَكونَ له وُجودٌ حِسِّيٌّ وشَرعيٌّ فهو سَليمٌ لا غُبارَ عليه، كالصَّلاةِ بشُروطِها وأركانِها، والبَيعِ بشُروطِه وأركانِه، وإمَّا أن يَكونَ له وُجودٌ حِسِّيٌّ في الخارِجِ، ولَكِنَّه ليسَ له وُجودُ شَرعيٌّ؛ لفَقدِ الأركانِ والشُّروطِ، فلا يَعتَدُّ به الشَّرعُ. ويُعتَبَرُ غَيرَ مَوجودٍ، وكَأنَّه مَعدومٌ حسًّا ولَو كان ماثِلًا للعِيانِ، فهو كالعَدَمِ، وإنَّما كان المَعدومُ شَرعًا كالمَعدومِ حِسًّا؛ لأنَّ العَمَلَ في هذه الحالِ يَقَعُ على خِلافِ ما يَطلُبُ الشَّارِعُ، وقد تَختَلِفُ الأقوالُ فيه [2046] يُنظر: ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (6/296)، ((حاشية الجمل على شرح المنهج)) (2/223)، ((ضوء الشموع)) لمحمد الأمير (1/448)، ((تفسير النصوص)) للصالح (2/325)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (2/868). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ:
فعن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه: أنَّ أبا بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه كَتَبَ له التي أمَرَ اللهُ رَسولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ومَن بَلَغَت صَدَقَتُه بِنتَ مَخاضٍ وليست عِندَه، وعِندَه بنتُ لَبونٍ، فإنَّها تُقبَلُ مِنه، ويُعطيه المُصَدِّقُ عِشرينَ دِرهَمًا أو شاتَينِ، فإن لم يَكُنْ عِندَه بنتُ مَخاضٍ على وَجهِها، وعِندَه ابنُ لَبونٍ، فإنَّه يُقبَلُ مِنه، وليس مَعَه شَيءٌ)) [2047] أخرجه البخاري (1448). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ قَولَه: ((على وَجهِها)) أي: على الوَجهِ الشَّرعيِّ؛ لأنَّ وُجودَها كَعَدَمِها؛ لكَونِها لا يَجوزُ إخراجُها؛ إذِ المَمنوعُ مِنه شَرعًا كالمَعدومِ حِسًّا [2048] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (4/18)، ((شرح الزركشي على مختصر الخرقي)) (2/381). .
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- إذا صادَ مُحرِمٌ صَيدًا فهو مَيتةٌ لا يَجوزُ أكلُه لا للمُحرِمِ ولا لغَيرِه؛ لأنَّ الصَّيدَ وقتَ الإحرامِ مَنهيٌّ عنه، والمَعدومُ شَرعًا كالمَعدومِ حِسًّا [2049] يُنظر: ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (2/870). .
2- المَبيعُ بَيعًا فاسِدًا لا يُنقَلُ ضَمانُه إلى المُشتَري إلَّا إذا قَبَضَه المُشتَري على وَجهٍ يُمكِنُه فيه الانتِفاعُ به، فلَو لم يَقبِضْه أصلًا، أو قَبَضه على وَجهِ الوديعةِ والأمانةِ وضاعَ، فلا ضَمانَ عليه؛ لأنَّ العَقدَ الفاسِدَ يُعَدُّ مَعدومًا شَرعًا، فيَكونُ كالمَعدومِ حَقيقةً، فلا يَكونُ سَبَبًا للضَّمانِ إلَّا إذا صَحِبَه قَبضُ ضَمانٍ [2050] يُنظر: ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (2/869). .
3- وَطءُ الزَّوجةِ وهيَ حائِضٌ لا يُحَلِّلُ المبتوتةَ، ولا يَكونُ به الزَّوجُ مُحصَنًا، بَل يُجلَدُ حَدَّ البِكرِ، ولا تَحصُلُ به الرَّجعةُ للمُطلَّقةِ إن نَوى به الزَّوجُ التَّرجيعَ في العِدَّةِ، ولا تَحصُلُ به الفَيئةُ مِنَ الزَّوجِ المُولِي، وكذلك لا تَحصُلُ الفَيئةُ بنِكاحِ المُولِي في الصَّومِ أوِ الإحرامِ؛ لأنَّ الوطءَ مُحَرَّمٌ شَرعًا، والمَعدومُ شَرعًا كالمَعدومِ حسًّا، فكَأنَّه لم يَكُنْ [2051] يُنظر: ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (2/869). وينظر أيضًا: ((الشرح الكبير)) للدردير (2/416). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استِثناءاتٌ:
يُستَثنى مِنَ القاعِدةِ: مَن حَلَف لا يَفعَلُ كَذا، فأُكرِهَ عليه، فإنَّه إذا فعَلَه بَعدَ ذلك مُختارًا حَنِثَ؛ لعَدَمِ حِنثِه أوَّلًا، فالمَعدومُ شَرعًا ليسَ كالمَعدومِ حِسًّا هنا؛ لأنَّ صورةَ الفِعلِ حَصَلَت أوَّلًا مَعَ الإكراهِ، فانحَلَّتِ اليَمينُ، ولَو أنَّه فِعلٌ غَيرُ مُعتَدٍّ به [2052] يُنظر: ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (2/869). .

انظر أيضا: