موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الثَّالِثُ: العِباداتُ التي يُكتَفى بحُصولِ بَعضِ شَرائِطِها في أثناءِ وقتِها إذا وُجِدَ الشَّرطُ في أثنائِها، فهَل يُحكَمُ لها بحُكمِ ما اجتَمَعَت شَرائِطُها مِنِ ابتِدائِها أم لا؟


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "العِباداتُ التي يُكتَفى بحُصولِ بَعضِ شَرائِطِها في أثناءِ وقتِها إذا وُجِدَ الشَّرطُ في أثنائِها، فهَل يُحكَمُ لها بحُكمِ ما اجتَمَعَت شَرائِطُها مِنِ ابتِدائِها أم لا؟" [2035] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (2/404). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
استُعمِلَت هذه القاعِدةُ عِندَ الحَنابِلةِ، وهيَ تَذكُرُ أنَّ العِباداتِ التي يُكتَفى بحُصولِ بَعضِ شَرائِطها في أثناءِ وقتِها، إذا وُجِدَ الشَّرطُ في أثنائِها؛ فهَل يُحكَمُ لها بحُكمِ ما اجتَمَعَت شَرائِطُه مِنِ ابتِدائِها أم لا؟ في ذلك خِلافٌ، فعلى القَولِ الأوَّلِ: يُحكَمُ للعِبادةِ بحُكمِ ما اجتَمَعَت شَرائِطُه مِنِ ابتِدائِها، وعلى القَولِ الثَّاني: لا يُحكَمُ لها بحُكمِ ما اجتَمَعَت شَرائِطُه مِنِ ابتِدائِها، وإنَّما يُحكَمُ لها بذلك مِن وقتِ وُجودِ الشَّرطِ [2036] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (2/404)، ((شرح تحفة أهل الطلب)) لعبد الكريم اللاحم (ص: 380). وينظر أيضًا: ((المغني)) لابن قدامة (4/342)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/519)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/246). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِنَ القاعِدةِ الأُمِّ (يُعطى المَعدومُ حُكمَ المَوجودِ، ويُعطى المَوجودُ حُكمَ المَعدومِ)، ووَجهُ تَفرُّعِها عنها أنَّه عِندَ وُجودِ الشَّرطِ يُعطى للعِبادةِ حُكمُ الوُجودِ مِنِ ابتِدائِها، وذلك على أحَدِ القَولَينِ.
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ والقَواعِدِ:
1- مِنَ السُّنَّةِ:
عن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ، وإنَّما لكُلِّ امرِئٍ ما نَوى، فمَن كانت هجرَتُه إلى دُنيا يُصيبُها، أو إلى امرَأةٍ يَنكِحُها، فهِجرَتُه إلى ما هاجَرَ إليه )) [2037] أخرجه البخاري (1) واللفظ له، ومسلم (1907). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
يُستَدَلُّ بهذا الحَديثِ للقَولِ الثَّاني في القاعِدةِ، وهو أنَّ العِباداتِ التي يُكتَفى بحُصولِ بَعضِ شَرائِطِها في أثناءِ وَقتِها، إذا وُجِدَ الشَّرطُ في أثنائِها فلا يُحكَمُ لها بحُكمِ ما اجتَمَعَت شَرائِطُه مِنِ ابتِدائِها، وذلك مَأخوذٌ مِن قَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((وإنَّما لكُلِّ امرِئٍ ما نَوى))؛ حَيثُ يُحكَمُ له مِن وقتِ النِّيَّةِ [2038] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (4/342)، ((شرح الزركشي على مختصر الخرقي)) (2/568)، ((الدلائل والإشارات على أخصر المختصرات)) للعيدان واليتامى (1/548). .
2- مِنَ القَواعِدِ:
يُستَدَلُّ للقَولِ الأوَّلِ بالقاعِدةِ الأُمِّ (يُعطى المَعدومُ حُكمَ المَوجودِ، ويُعطى المَوجودُ حُكمَ المَعدومِ).
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
1- إذا نَوى الصَّائِمُ المُتَطَوِّعُ الصَّومَ في أثناءِ النَّهارِ، فهَل يُحكَمُ له بحُكمِ الصِّيامِ مِن أوَّلِه، أو مِن حينِ نَواه، فلا يُثابُ على صَومِه إلَّا مِن حينِ النِّيَّةِ؟ على قَولَينِ: فقيلَ: يُحكَمُ له بالصَّومِ الشَّرعيِّ من أوَّلِ النَّهارِ، فيُعتَبَرُ الصَّومُ لليَومِ كامِلًا، ويُثابُ عليه ثَوابَ صيامِ اليَومِ مِن أوَّلِه؛ لأنَّه نَوى في جُزءٍ مِنَ النَّهارِ، فأشبَهَ ما لو نَوى في أوَّلِه؛ لأنَّ الصَّومَ لا يَتَبَعَّضُ في اليَومِ، بدَليلِ ما لو أكَلَ في بَعضِه عامِدًا لم يَجُزْ له صيامُ باقيه، فإذا وُجِدَ في بَعضِ اليَومِ دَلَّ على أنَّه صائِمٌ مِن أوَّلِه.
وقيلَ: يُحكَمُ له بالصَّومِ الشَّرعيِّ المُثابِ عليه مِن وقتِ النِّيَّةِ، ويَحصُلُ الثَّوابُ مِن حينِها [2039] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (4/342)، ((الفروع)) لابن مفلح (4/457)، ((شرح الزركشي على مختصر الخرقي)) (2/568)، ((القواعد)) لابن رجب (2/404)، ((شرح تحفة أهل الطلب)) لعبد الكريم اللاحم (ص: 381). .
2- حُكمُ تَطَوُّعِ الحائِضِ أوِ النُّفساءِ بالصَّومِ إذا طَهُرَت في يَومٍ بصَومِ بَقيَّةِ اليَومِ، وكذلك تَطَوُّعُ الكافِرِ إذا أسلَمَ في يَومٍ، ولَم يَأكُلا -أيِ الحائِضُ والكافِرُ- ولَم يَأتيا فيه بمُفسِدٍ، فقيلَ: لا يَصِحُّ، وقيلَ: يَصِحُّ [2040] يُنظر: ((الفروع)) لابن مفلح (4/457)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/520)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/246). .
3- إذا بَلَغَ الصَّبيُّ وهو مُحرِمٌ بالحَجِّ قَبلَ فَواتِ وقتِ الوُقوفِ على عَرَفةَ، فوقَف بعَرَفةَ بَعدَ بُلوغِه في وقتِ الوُقوفِ، فهَل يُجزِئُه عن حَجَّةِ الإسلامِ؟ فقيلَ: يُجزِئُه عن حَجَّةِ الإسلامِ؛ لأنَّ إحرامَه انعَقدَ مُراعًى؛ لأنَّه قابِلٌ للنَّقلِ والانقِلابِ.
وقيلَ: بَل يُقدَّرُ ما مَضى مِنه كالمَعدومِ، ويُكتَفى بالمَوجودِ مِنه.
وقيلَ: إن قُلنا: الإحرامُ شَرطٌ مَحضٌ، كالطَّهارةِ للصَّلاةِ، اكتُفيَ بالمَوجودِ مِنه، وإن قيلَ: هو رُكنٌ، لم يُكتَفَ به [2041] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (2/404)، ((شرح تحفة أهل الطلب)) لعبد الكريم اللاحم (ص: 381). .

انظر أيضا: