موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الثَّاني: ما لا يُؤَثِّرُ في الحالِ هَل يُؤَثِّرُ في الاستِقبالِ؟


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "ما لا يُؤَثِّرُ في الحالِ هَل يُؤَثِّرُ في الاستِقبالِ؟" [2029] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/154). . وصيغةِ: "ما لم يُؤَثِّرْ في الحالِ جازَ أن يُؤَثِّرَ في الثَّاني" [2030] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (6/57). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تَذكُرُ القاعِدةُ أنَّ التَّصَرُّفَ الذي لا يُؤَثِّرُ حالًا هَل يَكونُ له تَأثيرٌ مُستَقبَلًا؟ بمَعنى أنَّ سَبَبَ الحُكمِ الشَّرعيِّ إذا لم يَكُنْ له تَأثيرٌ في الحالِ بسَبَبِ وُجودِ مانِعٍ أو فواتِ شَرطٍ أو غَيرِهما، فيَفوتُ الحُكمُ، هَل يَكونُ له تَأثيرٌ فيما يُستَقبَلُ؟ وبِذلك ورَدَتِ القاعِدةُ بصيغةِ الاستِفهامِ، وهذا التَّصَرُّفُ قِسمانِ: أحَدُهما: لا يُؤَثِّرُ في الاستِقبالِ، والثَّاني: يُؤَثِّرُ [2031] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/154)، ((المسودة)) لآل تيمية (ص: 421)، ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (9/212). .
ولِذا ذَكَرَ ابنُ تَيميَّةَ أسبابَ انتِفاءِ الحُكمِ، فقال: (انتِفاءُ الحُكمِ قد يَكونُ لانتِفاءِ عِلَّتِه أو جُزئِها، أو لوُجودِ مانِعٍ، أو لفواتِ شَرطٍ، فأسبابُ الانتِفاءِ مُتَعَدِّدةٌ، بخِلافِ سَبَبِ الثُّبوتِ) [2032] ((المسودة)) (ص: 421). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِنَ القاعِدةِ الأُمِّ (يُعطى المَعدومُ حُكمَ المَوجودِ، ويُعطى المَوجودُ حُكمَ المَعدومِ)، ووَجهُ تَفرُّعِها عنها أنَّ ما لم يُؤَثِّرْ في الحالِ مَعدومٌ، والمَعدومُ يَجوزُ أن يوجَدَ في الاستِقبالِ؛ حَيثُ يُعطى حُكمَ المَوجودِ.
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ (يُعطى المَعدومُ حُكمَ المَوجودِ، ويُعطى المَوجودُ حُكمَ المَعدومِ).
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
أوَّلًا: مِن أمثِلةِ ما لا يُؤَثِّرُ في الاستِقبالِ:
إذا أسلَمَ شَخصٌ ولَه ولَدٌ كافِرٌ، ولِولَدِه وَلَدٌ صَغيرٌ، وقُلنا: لا يَستَتبِعُ الجَدَّ وَلَدُ وَلَدِه لأجلِ وُجودِ ولَدِه، فإذا ماتَ ولَدُه لا يستَتبعُ أيضًا؛ لأنَّ إسلامَه لمَّا لم يُؤَثِّرْ في الحالِ لم يُؤَثِّرْ في الاستِقبالِ [2033] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/154). .
ثانيًا: مِن أمثِلةِ ما يُؤَثِّرُ في الاستِقبالِ:
إذا شَكَّ المُصَلِّي في نيَّةِ الطَّهارةِ بَعدَ السَّلامِ مِنَ الصَّلاةِ، لم يُؤَثِّرْ في صِحَّةِ الصَّلاةِ التي سَلَّمَ مِنها، وقيلَ: يُؤَثِّرُ في المُستَقبَلِ، فيَمتَنِعُ عليه افتِتاحُ صَلاةٍ أُخرى مَعَ ذلك الشَّكِّ [2034] يُنظر: ((حاشية الشرواني والعبادي على تحفة المحتاج)) (2/189). .

انظر أيضا: