المَطلَبُ الأوَّلُ: قاعِدةُ: التَّقديرُ على خِلافِ التَّحقيقِ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "التَّقديرُ على خِلافِ التَّحقيقِ"
[1978] يُنظر: ((قواعد الأحكام)) للعز بن عبد السلام (2/112)، ((الفوائد الجسام)) للبلقيني (ص: 429)، ((القواعد)) للحصني (2/240). . وصيغةِ: "التَّقديرُ على خِلافِ الأصلِ"
[1979] يُنظر: ((الاعتبار)) للحازمي (ص: 233)، ((الفروق)) (2/202)، ((الذخيرة)) (1/137) كلاهما للقرافي، ((شرح الإلمام)) لابن دقيق العيد (4/545)، ((القواعد)) للمقري (2/501)، ((رفع النقاب)) للشوشاوي (5/574)، ((إيضاح المسالك)) للونشريسي (1/230). . وصيغةِ: "التَّقديرُ خِلافُ الأصلِ"
[1980] يُنظر: ((التحصيل)) للأرموي (2/272)، ((بدائع الفوائد)) لابن القيم (2/614)، ((التوضيح)) لابن الملقن (28/210)، ((عمدة القاري)) للعيني (22/278)، ((التحبير)) للمرداوي (1/76). . وصيغةِ: "التَّقديرُ خِلافُ الظَّاهرِ"
[1981] يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (2/733)، ((حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي)) (3/95)، ((البدر التمام)) للحسين المغربي (3/309)، ((حاشية الدسوقي على مختصر المعاني)) (1/125)، ((فتح القدير)) للشوكاني (4/440). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ التَّقديرَ على خِلافِ الأصلِ؛ حَيثُ إنَّ المُقدَّرَ يَكونُ على خِلافِ الواقِعِ المُحَقَّقِ.
والتَّقديراتُ أنواعٌ، وهيَ:
1- إعطاءُ المَعدومِ حُكمَ المَوجودِ.
2- إعطاءُ المَوجودِ حُكمَ المَعدومِ.
3- إعطاءُ المُتَأخِّرِ حُكمَ المُتَقدِّمِ.
4- إعطاءُ الآثارِ والصِّفاتِ حُكمَ الأعيانِ المَوجوداتِ؛ فإنَّه لا يَعرَى شَيءٌ مِنَ العُقودِ والمُعاوَضاتِ مِن جَوازِ إيرادِه على مَعدومٍ.
وهذه الأنواعُ على خِلافِ التَّحقيقِ، فيَجِبُ ألَّا يُقدَّرَ ما لا دَليلَ عليه، ولا يُصارَ إليه إلَّا لضَرورةٍ، ويُقتَصَرَ مِنه على ما تَدعو الضَّرورةُ إليه
[1982] يُنظر: ((قواعد الأحكام)) للعز بن عبد السلام (2/112)، ((الفوائد الجسام)) للبلقيني (ص: 429)، ((القواعد)) للحصني (2/240)، ((العواصم والقواصم)) لابن الوزير (9/331)، ((نيل الأوطار)) للشوكاني (13/23). .
والتَّقديراتُ الشَّرعيَّةُ كَثيرةٌ في أحكامِ الشَّريعةِ، وتَدخُلُ في العِباداتِ والمُعامَلاتِ، قال القَرافيُّ: (لا يَكادُ بابٌ مِن أبوابِ الفِقهِ يَنفكُّ عنِ التَّقديرِ)
[1983] ((الفروق)) (1/161). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ:
فعنِ الضَّحَّاكِ بنِ سُفيانَ الكِلابيِّ رَضِيَ اللهُ عنه:
((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كَتَبَ إليه أنْ: وَرِّثِ امرَأةَ أشيَمَ الضَّبابيِّ مِن ديةِ زَوجِها)) [1984] أخرجه أبو داود (2927)، والترمذي (1415) واللَّفظُ له، وابن ماجه (2642). صَحَّحه ابنُ عبد البر في ((التمهيد)) (12/117)، والنووي في ((تهذيب الأسماء واللغات)) (1/250)، وابن حجر في ((موافقة الخبر الخبر)) (1/455)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (1415)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (2927)، وقال الترمذيُّ: حَسَنٌ صَحيحٌ. .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ الدِّيةَ إنَّما تَجِبُ بَعدَ مَوتِ القَتيلِ، وعِندَ ذلك لا يُتَصَوَّرُ نَقلُها إلى ورَثَتِه؛ إذ لا يُورَثُ عنِ المَيِّتِ إلَّا ما مَلَكَه قَبلَ مَوتِه؛ لذا يُقدَّرُ -تَقديرًا افتِراضيًّا- ثُبوتُ الدِّيةِ قُبَيلَ مَوتهِ؛ لتَنتَقِلَ عنه إلى ورَثَتِه
[1985] يُنظر: ((القواعد)) للحصني (2/100، 240) و (1/200). ويُنظر أيضًا: ((شرح تنقيح الفصول)) للقرافي (ص: 69)، ((القواعد)) للمقري (2/499). .
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- البَولُ الخارِجُ على وَجهِ السَّلَسِ لا يوجِبُ الوُضوءَ؛ حَيثُ يُقدَّرُ عَدَمُه، وهَذا على خِلافِ الواقِعِ المُحَقَّقِ
[1986] يُنظر: ((الأمنية)) للقرافي (ص: 59). .
2- إذا حَفرَ إنسانٌ بئرًا في مَحَلٍّ عُدوانًا مِنه وإفسادًا، فوقَعَ فيها أحَدٌ بَعدَ مَوتِ الحافِرِ، وجَبَ عليه ضَمانُ ذلك رَغمَ مَوتِه، فإن كانت له تَرِكةٌ صُرِفت في ذلك، فإن أتلَفها الورَثةُ لزِمَهم ضَمانُها وتُصرَفُ في ذلك
[1987] يُنظر: ((قواعد الأحكام)) للعز بن عبد السلام (2/115). .
3- الوَقفُ تَمليكٌ لمَنافِعَ مَعدومةٍ وفوائِدَ مَعقودةٍ، تارةً لمَوجودٍ وتارةً لمَفقودٍ، وتَمليكُ المَفقودِ أعظَمُ أحوالِ الوَقفِ؛ فإنَّ المُستَحِقِّينَ المَوجودينَ وقتَ الوقفِ إذا انقَرَضوا صارَتِ الغَلَّاتُ والمَنافِعُ مَعدومةً
[1988] يُنظر: ((قواعد الأحكام)) للعز بن عبد السلام (2/116)، ((الأمنية)) للقرافي (ص: 57). .