موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الثَّاني: لا تَداخُلَ في أعمالِ العِباداتِ، وإنَّما التَّداخُلُ فيما يَندَرِئُ بالشُّبُهاتِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "لا تَداخُلَ في أعمالِ العِباداتِ، إنَّما التَّداخُلُ فيما يَندَرِئُ بالشُّبُهاتِ" [1869] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (4/28). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ هذه القاعِدةُ أنَّ أعمالَ العِباداتِ لا تَتَداخَلُ، أي: لا يَنوبُ بَعضُها عن بَعضٍ، ويُستَغنى ببَعضِها عنِ البَعضِ الآخَرِ، فإذا تَشابَهَتِ العِباداتُ فلا يَكفي بَعضُها عن بَعضٍ، بَل لا بُدَّ مِنَ الإتيانِ بها جَميعًا، ولا تَبرَأُ ذِمَّةُ المُكَلَّفِ إلَّا بامتِثالِ الجَميعِ، وهذا بخِلافِ الحُدودِ؛ فإنَّها تَتَداخَلُ كَما سَيَأتي في قاعِدةِ (الحُدودُ تَتَداخَلُ)، وهذه القاعِدةُ انفرَدَ بذِكرِها الحَنَفيَّةُ، وهيَ تُعتَبَرُ تَطبيقًا لقاعِدةِ (الأصلُ عَدَمُ التَّداخُلِ) [1870] يُنظر: ((الفروق)) للقرافي (2/29)، ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (8/842). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بما سَبَقَ في أدِلَّةِ قاعِدةِ (الأصلُ عَدَمُ التَّداخُلِ).
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- القارِنُ بَينَ الحَجِّ والعُمرةِ يَطوفُ طَوافَينِ ويَسعى سعيَينِ عِندَ الحَنَفيَّةِ، والمَعنى فيه عِندَهم أنَّ القِرانَ ضَمُّ الشَّيءِ إلى الشَّيءِ، وإنَّما يَتَحَقَّقُ ذلك بأداءِ عَمَلِ كُلِّ نُسُكٍ بكَمالِه، ولأنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنهما عِبادةٌ مَحضةٌ، ولا تَداخُلَ في أعمالِ العِباداتِ [1871] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (4/28). .
2- لا تُجزِئُ الصَّلاةُ المَكتوبةُ عن رَكعَتَيِ الطَّوافِ عِندَ الحَنَفيَّةِ والمالِكيَّةِ، فلَو أُقيمَتِ الصَّلاةُ وصَلَّى المَكتوبةَ -كالفَجرِ مَثَلًا- لا تُجزِئُه عِندَهم عن رَكعَتَي الطَّوافِ؛ لأنَّ العِباداتِ لا تَتَداخَلُ [1872] يُنظر: ((المدونة)) لسحنون (1/426)، ((المبسوط)) للسرخسي (4/47). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استِثناءاتٌ:
يُستَثنى مِن هذه القاعِدةِ:
1- إذا اجتَمَعَت عِبادَتانِ مِن جِنسٍ واحِدٍ في وقتٍ واحِدٍ ليسَت إحداهما مَفعولةً على جِهةِ القَضاءِ ولا على طَريقِ التَّبَعيَّةِ للأُخرى في الوقتِ، تَداخَلَت أفعالُهما واكتُفيَ فيهما بفِعلٍ واحِدٍ [1873] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (1/139). .
2- كُلُّ مَعنًى يَقومُ بشَيئَينِ ولا يَتِمُّ بأحَدِهما يُجعَلانِ كَشَيءٍ واحِدٍ في حَقِّ ذلك المَعنى [1874] يُنظر: ((القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير)) لعلي الندوي (ص: 67). .
وهما قاعِدَتانِ فرعيَّتانِ سَيَأتي تَناوُلُهما.

انظر أيضا: