موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الأوَّلُ: ما أوجَبَ أعظَمَ الأمرَينِ بخُصوصِه لا يوجِبُ أهوَنَهما بعُمومِه


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "ما أوجَبَ أعظَمَ الأمرَينِ بخُصوصِه لا يوجِبُ أهوَنَهما بعُمومِه" [1858] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/94)، ((المنثور)) للزركشي (3/131)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 149). ، وبصيغةِ: "الشَّيءُ مَهما أوجَبَ أعظَمَ الأثَرَينِ بخُصوصِه لا يوجِبُ أهوَنَهما بعُمومِه" [1859] يُنظر: ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (1/155). . وبصيغةِ: "ما أوجَبَ أعظَمَ الأثَرَينِ بخُصوصِه هَل يوجِبُ أهوَنَهما بعُمومِه؟" [1860] يُنظر: ((السيف المسلول)) لتقي الدين السبكي (ص: 158). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ هذه القاعِدةُ أنَّ الشَّيءَ الواحِدَ إذا كان يوجِبُ أمرَينِ أحَدُهما بعُمومِه والآخَرُ بخُصوصِه، وكان أحَدُهما أدوَنَ، والآخَرُ أعلى وأعظَمَ، فإنَّه في الصُّورةِ التي يوجِبُ فيها الأعلى يَسقُطُ الأدوَنُ والأهوَنُ؛ لأنَّ إيجابَه الأعظَمَ يَقتَضي إلغاءَ جِهةِ الأدوَنِ؛ لأنَّ النَّظَرَ للخُصوصِ لا للعُمومِ، فإذا اجتَمَعَ سَبَبانِ أحَدُهما داخِلٌ في الآخَرِ؛ لكَونِ الأعلى مِنهما مُتَضَمِّنًا للأدنى لم يَتَرَتَّبْ على مَجموعِهما إلَّا ما يَتَرَتَّبُ على أعلاهما، وقدِ انفرَدَ بالنَّصِّ على هذه القاعِدةِ الشَّافِعيَّةُ، وهيَ تُعتَبَرُ تَطبيقًا لقاعِدةِ (الأصلُ عَدَمُ التَّداخُلِ) [1861] يُنظر: ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (1/155)، ((المجموع)) للنووي (2/4)، ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/94)، ((المنثور)) للزركشي (3/131)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 149)، ((الغرر البهية)) للأنصاري (1/132)، ((القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير)) لعبد الرحمن آل عبد اللطيف (1/351). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ والمَعقولِ.
1- مِنَ السُّنَّةِ:
عن بُرَيدةَ بنِ الحُصَيبِ الأسلَميِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((جاءَ ماعِزُ بنُ مالِكٍ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا رَسولَ اللهِ، طَهِّرْني... فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أزنَيتَ؟ فقال: نَعَم، فأمَر به فرُجِمَ... ثُمَّ جاءَته امرَأةٌ مِن غامِدٍ مِنَ الأزدِ فقالت: يا رَسولَ اللهِ، طَهِّرْني... فرَجَمَها )) [1862] أخرجه مسلم (1695). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد رَجَمَهما لمَّا كانا مُحصَنَينِ، ولَم يَجمَعْ بَينَ الجَلدِ والرَّجمِ؛ لأنَّه لمَّا وجَبَ الأعظَمُ سَقَطَ الأدوَنُ [1863] يُنظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/90). .
2- مِنَ المَعقولِ:
وهو أنَّ النَّظَرَ إنَّما يَكونُ للخُصوصِ لا للعُمومِ، فإيجابُ الأعظَمِ يَقتَضي إلغاءَ جِهةِ الأدوَنِ حينَئِذٍ [1864] يُنظر: ((الغرر البهية)) للأنصاري (1/132). .
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
يَتَخَرَّجُ على هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ لدى الشَّافِعيَّةِ، مِنها:
1- خُروجُ المَنيِّ لا يوجِبُ الوُضوءَ بعُمومِ كَونِه خارِجًا؛ فإنَّه قد أوجَبَ الغُسلَ الذي هو أعظَمُ الأمرَينِ [1865] يُنظر: ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (1/155)، ((المجموع)) للنووي (2/4)، ((كفاية النبيهـ)) لابن الرفعة (1/382)، ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/94)، ((المنثور)) للزركشي (3/131)، ((النجم الوهاج)) للدميري (1/266)، ((القواعد)) للحصني (2/112)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 149). .
2- زِنا المُحصَنِ يوجِبُ الرَّجمَ ولا يوجِبُ الجَلدَ؛ لأنَّه لمَّا أوجَبَ أعظَمَ الحَدَّينِ وهو الرَّجمُ بخُصوصِه، وهو زِنا المُحصَنِ، لم يوجِبْ أهوَنَهما، وهو الجَلدُ بعُمومِ كَونِه زِنًا [1866] يُنظر: ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (1/155)، ((المجموع)) للنووي (2/4)، ((كفاية النبيهـ)) لابن الرفعة (1/382)، ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/95)، ((المنثور)) للزركشي (3/131)، ((القواعد)) للحصني (2/111)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 149). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استِثناءاتٌ:
يُستَثنى مِن هذه القاعِدةِ عِندَ الشَّافِعيَّةِ مَسائِلُ، مِنها:
1- الحَيضُ والنِّفاسُ والوِلادةُ توجِبُ الغُسلَ والوُضوءَ أيضًا [1867] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/132)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 149). .
2- لو شَهدَ ناسٌ على رَجُلٍ مُحصَنٍ بالزِّنا فرُجِمَ، ثُمَّ رَجَعوا عن شَهادَتِهم، فإنَّه يُقتَصُّ مِنهم، لكِن يُحَدُّونَ للقَذفِ أوَّلًا، ثُمَّ يُقتَصُّ مِنهم [1868] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/132)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 149). .

انظر أيضا: