المَطلَبُ الثَّاني: أسبابُ الإجمالِ
تَتَعَدَّدُ أسبابُ الإجمالِ في الألفاظِ، وأهَمُّها ما يَلي
:
1- الاشتِراكُ في اللَّفظِ المُفرَدِ: كالعَينِ للعُضوِ الباصِرِ، وللشَّمسِ، وعَينِ الماءِ؛ والشَّفَقِ للبَياضِ والحُمرةِ؛ والقُرءِ للطُّهرِ والحَيضِ، مِثلُ قَولِ اللهِ تعالى:
وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة: 228] ؛ حَيثُ وقَعَ الاختِلافُ بَينَ الفُقَهاءِ في المُرادِ بلَفظِ (القُرءِ).
2- التَّصريفُ في اللَّفظِ: مِثلُ لَفظِ: (المُختارِ) في عِبارةِ: (زَيدٌ المُختارُ) فلا يُعرَفُ هَل زيدٌ هو الذي اختارَ فيَكونُ فاعلًا، أو زيدٌ هو الذي اختيرَ فيَكونُ مفعولًا به.
ولذلك احتَجَّ بَعضُ المالِكيَّةِ على أنَّ الحَضانةَ في الولَدِ حَقٌّ للزَّوجِ لا للزَّوجةِ، بقَولِ اللهِ تعالى:
لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا [البقرة: 233] فنَهى المَرأةَ عن أن تَضُرَّ بالولَدِ، فدَلَّ على أنَّ الحَقَّ له عليها.
واحتَجَّ غَيرُهم بأنَّه يُحتَمَلُ أن يَكونَ ذلك لا تُضارِرْ -بكَسرِ الرَّاءِ- فيَصِحُّ الاستِدلالُ، ويُحتَمَلُ أن يَكونَ لا تُضارَرْ -بفتحِ الرَّاءِ- فيَكونُ الفِعلُ مَبنيًّا لِما لم يُسَمَّ فاعِلُه، فلا يَصِحُّ الاستِدلالُ.
3- الاشتِراكُ في اللَّفظِ المُرَكَّبِ: مِثلُ قَولِ اللهِ تعالى:
أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ [البقرة: 237] فإنَّ
الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ مُشتَرَكٌ بَينَ أن يَكونَ الزَّوجَ، وهو رَأيُ الجُمهورِ، أو هو الوليُّ، وهو رَأيُ مالِكٍ.
قال الباقِلَّانيُّ: (هذا مِمَّا يَسوغُ التَّنازُعُ والِاجتِهادُ في طَلَبِ مَعناه، وكذلك كُلُّ الأسماءِ المُشتَرَكةِ)
.
4- الاشتِراكُ في الحَرفِ: كالواوِ في قَولِ اللهِ تعالى:
وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ [آل عمران: 7] ؛ فإنَّها مُتَرَدِّدةٌ بَينَ أن تَكونَ عاطِفةً، وبَينَ أن تَكونَ للِابتِداءِ، ويَختَلِفُ المَعنى بذلك.
5- التَّرَدُّدُ في عَودِ الضَّميرِ إلى ما تَقَدَّمه: مِثلُ قَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((لا يَمنَعُ أحَدُكُم جارَه أن يَغرِزَ خَشَبةً في جِدارِهـ))
، فالضَّميرُ في لَفظِ "جِدارِه" يُحتَمَلُ أن يَعودَ إلى الغارِزِ، أو إلى جارِه.
6- تَخصيصُ العامِّ بالمَجهولِ: كقَولِهم: (اقتُلوا المُشرِكينَ إلَّا بَعضَهم)؛ لأنَّ العامَّ إذا خُصَّ بمَجهولٍ يَصيرُ الباقي محتَمَلًا، فكان مجمَلًا.
قال ابنُ السُّبكيِّ: (العامُّ إن خُصَّ بمُبهَمٍ -كما لو قيلَ: "اقتُلوا المُشرِكينَ إلَّا بَعضَهم"- فلا يُحتَجُّ به على شَيءٍ مِنَ الأفرادِ؛ إذ ما مِن فردٍ إلَّا ويَجوزُ أن يَكونَ هو المُخرَجَ)
.