موسوعة أصول الفقه

المَطلَبُ التَّاسِعُ: الفتوى الجَماعيَّةُ


المُرادُ بالفتوى الجَماعيَّةِ أوِ الاجتِهادِ الجَماعيِّ: استِفراغُ جَمعٍ مِنَ الفُقَهاءِ جُهدَهم لتَحصيلِ حُكمٍ شَرعيٍّ بطَريقِ الاستِنباطِ، واتِّفاقُهم جَميعًا أو أغلَبِهم على الحُكمِ بَعدَ التَّشاوُرِ .
والاجتِهادُ الجَماعيُّ لا يُعَدُّ وليدَ العَصرِ، أو أمرًا مُحدَثًا في الدِّينِ؛ لأنَّ النُّصوصَ الشَّرعيَّةَ تُؤَكِّدُ على مَبدَأِ الاجتِماعِ والتَّشاوُرِ فيما يَعرِضُ للأمَّةِ مِنَ المُلِمَّاتِ والنَّوازِلِ، ومِن ذلك قَولُ اللهِ سُبحانَه وتعالى: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء: 83] ؛ فاللَّهُ تعالى أمَر أن تُرَدَّ الأمورُ التي يَشتَبِهُ حُكمُها على النَّاسِ إلى حُكمِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثُمَّ إلى أولي الأمرِ مِنَ العُلَماءِ المُجتَهِدينَ القادِرينَ على استِنباطِ الحُكمِ مِن خِلالِ النَّظَرِ في نُصوصِ الشَّريعةِ ومَقاصِدِها.
قال ابنُ عاشورٍ: (أي: يَرُدُّونَه إلى جَماعةِ أولي الأمرِ، فيَفهَمُه الفاهمونَ مِن أولي الأمرِ، وإذا فهمَه جَميعُهم فأجدَرُ) .
ومِن أمثِلةِ الفتوى الجَماعيَّةِ والنَّظَرِ الجَماعيِّ قَولُ المُسَيِّبِ بنِ رافِعٍ: (كانوا إذا نَزَلَت بهم قَضيَّةٌ ليسَ فيها مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمرٌ اجتَمَعوا لها وأجمَعوا، فالحَقُّ فيما رَأوا، فالحَقُّ فيما رَأوا) .
وقال مالِكٌ: (أدرَكتُ أهلَ هذا البَلَدِ وما عِندَهم عِلمٌ غَيرُ الكِتابِ والسُّنَّةِ، فإذا نَزَلَت نازِلةٌ جَمَع الأميرُ لها مَن حَضَر مِنَ العُلَماءِ، فما اتَّفَقوا عليه مِن شَيءٍ أنفَذَهـ) .
وقال الجُوَينيُّ: (أصحابُ المُصطَفى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ورَضيَ عنهمُ استَفتَحوا النَّظَرَ في الوقائِعِ والفتاوى والأقضيةِ، فكانوا يَعرِضونَها على كِتابِ اللهِ تعالى، فإنْ لم يَجِدوا فيها مُتَعَلَّقًا راجَعوا سُنَنَ المُصطَفى عليه السَّلامُ، فإن لم يَجِدوا فيها شِفاءً اشتَوَروا واجتَهَدوا، وعلى ذلك دَرَجوا في تَمادي دَهرِهم إلى انقِراضِ عَصرِهم، ثُمَّ استَنَّ مَن بَعدَهم بسُنَّتِهم) .

انظر أيضا:

  1. (1) يُنظَر: ((الاجتهاد الجماعي)) لخالد حسين الخالد (ص: 79- 114)، ((الاجتهاد الجماعي)) لعبد المجيد السوسوة (ص: 46- 47)، ((الدرر البهية من الفتاوى الكويتية)) (1/ 53).
  2. (2) ((التحرير والتنوير)) (5/ 142).
  3. (3) ((سنن الدارمي)) (1/ 238).
  4. (4) يُنظَر: ((الاستذكار)) (8/ 581)، ((التمهيد)) (12/ 211) كلاهما لابن عبد البر.
  5. (5) ((غياث الأمم)) (ص: 431).