تم اعتماد المنهجية من الجمعية الفقهية السعودية
برئاسة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو هيئة كبار العلماء (سابقاً)
اتَّفقَ الأُصوليُّونَ على أنَّ مَن شَرَع في نَفلِ الحَجِّ والعُمرةِ أنَّه يَلزَمُه إتمامُه، ولا يَجوزُ قَطعُه؛ وذلك لأنَّ حُكمَ نَفلِه كحُكمِ فرضِه في النِّيَّةِ والكفَّارةِ وغيرِهما، ففارَق الحَجُّ والعُمرةُ غيرَهما مِن باقي المَندوبِ في وُجوبِ إتمامِهما بعد الشُّروعِ فيهما؛ لمُشابَهَتِهما لفَرضِهما . واختَلَف الأُصوليُّونَ هل يَلزَمُ مَن شَرَعَ في فِعلِ مَندوبٍ غيرِ الحَجِّ والعُمرةِ إتمامُه، وألَّا يَخرُجَ مِنه، وإذا خَرَجَ فهل عليه القَضاءُ، أو لَه قَطعُه والخُروجُ مِنه مَتى شاءَ؟ فالرَّاجِحُ أنَّه لا يَجِبُ إتمامُ المَندوبِ بالشُّروعِ فيه، ولا فَرقَ في تَركِه بينَ أن يَكونَ ابتِداءً أو بَعدَ الشُّروعِ فيه، فمَن تَلَبَّسَ بنَفلِ صَلاةٍ أو صَومٍ فلَه قَطعُه والخُروجُ مِنه، ولا يَجِبُ عليه قَضاؤُه. وهو قَولُ الشَّافِعيَّةِ ، والحنابِلةِ ، وهو قَولُ أكثَرِ العُلَماءِ أنَّ غيرَ الحَجِّ والعُمرةِ مِنَ التَّطَوُّعاتِ لا يَلزَمُ بالشُّروعِ فيه، بَل هو مُخيَّرٌ فيه بينَ إتمامِه وقَطعِه، والأفضَلُ إتمامُه بلا نِزاعٍ؛ للخُروجِ مِنَ الخِلافِ . الأدِلَّةُ: 1- أنَّ هذا ثابتٌ بفِعلِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فالنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان أحيانًا يَنوي صَومَ التَّطَوُّعِ ثُمَّ يُفطِرُ . فعن عائِشةَ أُمِّ المُؤمِنينَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((قال لي رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذاتَ يَومٍ: يا عائِشةُ، هل عِندَكُم شيءٌ؟ قالت: فقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، ما عِندَنا شيءٌ. قال: فإنِّي صائِمٌ. قالت: فخَرَجَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأُهدِيَت لَنا هَديَّةٌ، أو جاءَنا زَورٌ، قالت: فلَمَّا رَجَعَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أُهدِيَت لَنا هَديَّةٌ، أو جاءَنا زَورٌ، وقد خَبَّأتُ لَك شيئًا، قال: ما هو؟ قُلتُ: حَيسٌ. قال: هاتيه. فجِئتُ به فأكلَ، ثُمَّ قال: قَد كُنتُ أصبَحتُ صائِمًا)) قال طَلحةُ: فحَدَّثتُ مُجاهِدًا بهذا الحَديثِ، فقال: ذاك بمَنزِلةِ الرَّجُلِ يُخرِجُ الصَّدَقةَ مِن مالِه، فإن شاءَ أمضاها، وإن شاءَ أمسَكَها . 2- أنَّ المَندوبَ يَجوزُ للمُكلَّفِ تَركُه في البَدءِ، فكذلك بَعدَ الشُّروعِ به يَجوزُ لَه تَركُه، فآخِرُ النَّفلِ مِن جِنسِ أوَّلِه، ولا فَرقَ بينَهما، فكما أنَّه مُخيَّرٌ في الابتِداءِ بينَ أن يَشرَعَ فيه وبينَ ألَّا يَشرَعَ فيه لكَونِه نَفلًا، فكذلك يَكونُ مُخيَّرًا في الانتِهاءِ، وإذا تَرَك الإتمامَ فإنَّما تَركَ أداءَ النَّفلِ، وذلك لا يُلزِمُه شيئًا، فالمَندوبُ لا يَتَغيَّرُ بالشُّروعِ، فيَبقى نَدبًا كما هو . وقيلَ: يَجِبُ إتمامُ المَندوبِ بالشُّروعِ فيه، وهو قَولُ الحَنَفيَّةِ ، والمالِكيَّةِ . وخَصَّصَ القَرافيُّ مَذهَبَ المالكيَّةِ ببَعضِ العِباداتِ، فقال: (هذا الفَرعُ لا أعرِفُه على إطلاقِه، بَل قالت به طائِفةٌ في الحَجِّ والعُمرةِ المَندوبَينِ إذا شُرِعَ فيهما وجَبَ إتمامُهما. وزادَ المالكيَّةُ خَمسةً أُخرى: طَوافَ التَّطَوُّعِ، والصَّلاةَ والصَّومَ المَندوبَينِ، والإتمامَ -فمَن صَلَّى في جَماعةٍ امتَنَعَ أن يُفارِقَ الإمامَ. وعِندَ الشَّافِعيِّ يَجوزُ لَه أن يُفارِقَه- والاعتِكافَ، فمَن نَوى عَشَرةَ أيَّامٍ وجَبَ عليه إذا شَرعَ فيها أن يُكمِلَها. وما عَدا هذه السَّبعةَ مَواطِنَ لا أعلَمُ فيه خِلافًا. فقَد قالتِ المالكيَّةُ: مَن شَرَعَ في تَجديدِ الطَّهارة يَجوزُ لَه تَركُ الإكمالِ لذلك الوُضوءِ، وكذلك مَن صَرَّحَ بصَدَقةِ التَّطَوُّعِ لَه الرُّجوعُ بها، وكذلك مَن شَرع في بناءِ وقَفٍ، أو مَسجِدٍ، أو تِلاوةِ القُرآنِ، لَه إبطالُ ذلك كُلِّهـ) .