الموسوعة التاريخية


العام الهجري : 652 العام الميلادي : 1254
تفاصيل الحدث:

وردت أخبارٌ في مكَّةَ شَرَّفَها الله تعالى بأنَّ نارًا ظَهَرَت في أرضِ عَدَن في بعض جبالِها بحيث إنَّه يطير شَرَرُها إلى البحر في الليل، ويصعدُ منها دخانٌ عظيم في أثناء النهار، فما شَكُّوا أنها النارُ التي ذكر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنها تظهرُ في آخِرِ الزمان، فتاب الناسُ وأقلعوا عمَّا كانوا عليه من المظالمِ والفسادِ، وشرعوا في أفعالِ الخير والصَّدَقاتِ.

العام الهجري : 652 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1254
تفاصيل الحدث:

وقع الصُّلحُ بين الملك الناصر صاحِبِ دمشق وبين الفرنجِ أصحابِ عكَّا، لمدة عشر سنين وستة أشهر وأربعين يومًا أولُها مُستهَلَّ المحرم، على أن يكونَ للفرنجِ مِن نهر الشريعة مغربًا، وحلف الفريقانِ على ذلك.

العام الهجري : 652 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1254
تفاصيل الحدث:

أخذ الشَّريفُ راجح بن قتادة مكَّةَ من الشريف جماز بن حسن، بغيرِ قتال، ثم أخذها ابنُه غانم بن راجح في ربيعٍ الأول بغير قتالٍ، فقام عليه الشَّريفُ أبو نمي بن أبي سعيد بن علي بن قتادة في شوال ومعه الشريفُ إدريس، وحارباه ومَلَكَا مكة، فقدم في خامس عشر ذي القعدة مبارز الدين الحسين بن علي بن برطاس من اليمن، وقاتَلَهما وغَلَبَهما، وحجَّ بالنَّاسِ.

العام الهجري : 652 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1254
تفاصيل الحدث:

هو الأميرُ الكبير فارس الدين التركي، أقطاي بن عبد الله الجمدار- حامل ملابس السلطان- الصالحي، النَّجمي، من كبار مماليك المَلِك الصالح نجم الدين أيوب. كان شجاعًا جَوادًا كريمًا مهابًا، وهابًا. ذكر شمس الدين الجزري في " تاريخه ": "أنه كان مملوكًا للزكي إبراهيم الجزري المعروف بالجبيلي، اشتراه بدمشق ورباه، ثم باعه بألف دينار، فلما صار أميرًا وأقطعوه الإسكندرية طَلَبَ من الملك الناصر إطلاقَ أستاذه المذكور، وكان محبوسًا بحمص، فأطلقه وأرسَلَه إليه، فبالغ في إكرامِه، وخلع عليه، وبعثَه إلى الإسكندرية، وأعطاه ألفي دينار. قلت(الذهبي): وكان طائشًا عاملًا على السلطنة، وانضاف إليه البحرية كالرشيدي وركن الدين بيبرس البندقداري الذي صار سلطانًا, وسار مرَّتين إلى الصعيد فظلم وعسَفَ وقتَلَ وتجَبَّرَ، وكان يركَبُ في دست يضاهي دست السَّلطنة ولا يلتفت على المَلِك المعز أيبك ولا يعده، بل يدخل إلى الخزائنِ ويأخُذُ ما أراد. ثمَّ إنه تزوج بابنة صاحب حماة، وبُعِثَت العروس في تجمُّل زائد، فطَلَب فارسُ الدين أقطاي القلعةَ من الملك المعز ليسكُنَ فيها وصَمَّم على ذلك، فقالت أم خليل شجرة الدر لزوجها المعِزِّ: هذا ما يجيءُ منه خير. فتعاملا على قَتلِه". فلما استفحل أمرُ الأمير الفارس أقطاي الجمدار وانحازت إليه البحريَّة، بحيث إذا ركب أقطاي من دارِه إلى القلعة شَغَل بين يديه جماعةً بأمره، ولا يُنكر هو ذلك منهم فكانوا يأخذون أموالَ الناس ونساءَهم وأولادَهم بأيديهم، فلا يقدِرُ أحدٌ على منعهم، وكانوا يدخُلونَ الحَمَّامات ويأخذون النِّساءَ منها غصبًا، وكَثُرَ ضَرَرُهم كثيرا، هذا والمعِزُّ يحَصِّل الأموال، وقد ثَقُل عليه أقطاي، فواعد طائفةً مِن مماليكه على قَتلِه، وبعث المعِزُّ إليه وقت القائلةِ مِن يوم الأربعاء ثالث شعبان، ليحضُرَ إليه بقلعة الجبل في مشورةٍ يأخذ رأيَه فيها، فركب أقطاي على غيرِ أُهبة ولا اكتراث، فعندما دخل من باب القلعة، وصار في القاعة أُغلِقَ باب القلعة، ومُنِعَ مماليكُه من العبور معه، فخرج عليه جماعةٌ بالدهليز قد أعدوا لقَتلِه وهم قطز وبهادر وسنجر الغنمي، فهبروه بالسُّيوفِ حتى مات، فوقع الصريخُ في القلعة والقاهرة بقَتلِه، فركب في الحالِ مِن أصحابه نحوُ السبعمائة فارس ووقفوا تحت القلعةِ، وفي ظنهم أنَّه لم يُقتَل وإنما قُبِضَ عليه، وأنهم يأخذونَه من المعِزِّ، وكان أعيانُهم بيبرس البندقداري، وقلاوون الألفي، وسنقر الأشقر، وبيسرى، وسكز، وبرامق، فلم يشعروا إلا ورأسُ أقطاي قد رمى به المعزُّ إليهم، فسُقِطَ في أيديهم وتفَرَّقوا بأجمعهم، وخرجوا في الليلِ مِن القاهرة وحَرَقوا باب القراطين، فعرف بعد ذلك بالباب المحروقِ، فمنهم من قصد المَلِكَ المغيث بالكرك، ومنهم من سار إلى الملك الناصِر بدمشق، ومنهم من أقام ببلاد الغورِ والبلقاء والكرك والشوبك والقدس، يقطَعُ الطريق ويأكل بقائِمِ سَيفِه. وهو غيرُ الأمير فارس الدين أقطاي المستعرب نائب السلطنة بالشام.

العام الهجري : 652 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1254
تفاصيل الحدث:

هي بدرةُ بنتُ الإمامِ فخرِ الدين محمد بن أبي القاسم بن تيميَّة، أم البدر، زوجةُ العلَّامة المفتي مجدِ الدين أبي البركات عبد السلام بن عبد الله ابن أبي القاسم ابن تيميَّة، جَدَّةُ شيخ الإسلامِ أبي العباس بن تيميَّة. توفيت قبل زوجها بليلة، وقد روت بالإجازةِ عن بعضِ أصحاب أبي علي الحدَّاد. سمع منها: الدمياطي بإجازتها من أبي المكارم اللبَّان

العام الهجري : 652 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1254
تفاصيل الحدث:

هو الشَّيخُ الإمامُ العلَّامة، فقيهُ العصر، شيخُ الحنابلة، مجدُ الدين أبو البركات عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن علي بن تيمية الحراني الحنبلي، جد الشيخ تقي الدين بن تيميَّة المشهور بشيخِ الإسلام، ولِدَ في حدود سنة 590 وتفَقَّه في صغره على عَمِّه الخطيب فخر الدين، ففقه وبرع، واشتغل وصنف التصانيف، وانتهت إليه الإمامةُ في الفقه، وكان يجيدُ القراءاتِ، وصنَّف فيها أرجوزةً, وقد حَجَّ في سنة إحدى وخمسين على درب العراق، وانبهر علماءُ بغداد لذكائه وفضائله. قال شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس: كان الشيخُ جمال الدين بن مالك يقول: أُلينَ للشَّيخِ المجد الفقهُ كما أُلينَ لداود الحديد, ثم قال الشيخُ: وكانت في جَدِّنا حدة, وعَجَبٌ في سرد المتون، وحِفظُ مذاهب الناس، وإيرادُها بلا كُلفة. حدثني الإمام عبد الله بن تيمية: أن جدَّه ربِّيَ يتيمًا، ثم سافر مع ابن عمه إلى العراق ليخدُمَه وينفِقَ عليه، وله ثلاث عشرة سنة، فكان يبيت عنده ويسمَعُه يكرر على مسائل الخلافِ فيحفَظُ المسألة, فقال الفخر إسماعيل بن عساكر يومًا: أيش حفظ الننين – الصبي- فبدر المجد، وقال: حفظتُ يا سيدي الدرس. وسرده، فبُهِتَ الفخر، وقال: هذا يجيءُ منه شيء, ثم عرض على الفخر مصنفه (جنة الناظر)، وكتب له عليه في سنة 606 وعظَّمَه، فهو شيخُه في علم النظر، وأبو البقاء شيخُه في النحو والفرائض، وأبو بكر بن غنيمة صاحب ابن المني شيخه في الفقه، وابن سلطان شيخه في القراءات، وقد أقام ببغداد ستة أعوام مكبًّا على الاشتغال، ورجع ثم ارتحل إلى بغدادَ قبل 620، فتزيَّدَ من العلم، وصَنَّف التصانيفَ، مع الدِّينِ والتقوى، وحُسنِ الاتباع، وجلالةِ العِلمِ. سمعَ المجدُ أبو البركات الكثيرَ ورحل إلى البلاد، ودرَّس وأفتى وانتفَعَ به الطلبة، له تفسيرٌ للقرآن وهو صاحب الكتاب المشهور المنتقى في أحاديث الأحكام، توفِّيَ يوم الفطر بحرَّان.

العام الهجري : 653 العام الميلادي : 1255
تفاصيل الحدث:

كانت المماليكُ العزيزيَّةُ قد عزمت بالقبضِ على الملك المعزِّ عِزِّ الدين أيبك وكاتبوا المَلِكَ الناصر واستشعر المَلِكُ المعز منهم بذلك وعَلِمَ الخبر، وعَلِموا هم أيضًا فهربوا على حمية، وكبيرُهم آقوش البرنلي، وقبض أيضًا على الأمير الأتابكي ونهِبَت خيامُ العزيزية وكانوا بالعباسيَّة.

العام الهجري : 653 العام الميلادي : 1255
تفاصيل الحدث:

سار الأميرُ عز الدين أيبك الأفرم الصالحي إلى بلاد الصعيدِ، وأظهر الخروجَ عن طاعة الملِك المعزِّ عِزِّ الدين أيبك، وجمع العُربان، فسيَّرَ إليه الملك المعز الوزيرَ الصاحِبَ الأسعد شرف الدين الفائزي، ومعه طائفةٌ من العسكر، حتى سكَّنَ الأمور.

العام الهجري : 653 العام الميلادي : 1255
تفاصيل الحدث:

أخرج الملِكُ الناصِرُ عسكرًا إلى جهةِ ديار مصر، ومعهم البحريَّة الذين كانوا قد هَرَبوا من مصرَ مِن المعز بعد أن قُتِلَ صاحِبُهم فارسُ الدين أقطاي الجمداري، وهم الأميرُ سيف الدين بلبان الرشيد، وعز الدين أزدمر، وشمس الدين سنقر الرومي، وشمس الدين سنقر الأشقر، وبدر الدين بيسري، وسيف الدين قلاوون، وسيف الدين بلبان المسعودي، وركن الدين بيبرس البندقداري، وعدة من مماليك الفارس أقطاي.

العام الهجري : 653 العام الميلادي : 1255
تفاصيل الحدث:

جرت بين الصليبيِّينَ حُروبٌ داخلية أضعَفَت قواهم بحَمدِ الله، فقامت حروبٌ بين البندقية وجنوة امتدت إلى عام 660 انضَمَّت فيها جميعُ الأحزاب المتنافرة إلى أحَدِ الجانبين وأنهكَتْهم ممَّا كان له الأثَرُ في استعادة الظاهر بيبرس في حينها أنطاكية منهم.

العام الهجري : 654 العام الميلادي : 1256
تفاصيل الحدث:

بعد الاتِّفاقِ المغولي على الزَّحفِ إلى بلاد الإسماعيلية وغيرها, حدث في هذه السَّنة أن استولى هولاكو على حصنينِ مِن حُصونِ الإسماعيليَّة بولاية قهستان وأمَرَ بإعدام كلِّ مَن يزيد عمره على عشرِ سنوات، ثم استولى على قلعتي ألموت وميمون دز وقبضَ على زعيمِ الإسماعيليَّة ركن الدين خورشاه وأرسَلَه إلى قره كروم عاصمة المغول، فأمر منكو زعيمُهم بقتله وقتْل أتباعِه الذين كانوا معه.

العام الهجري : 654 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1256
تفاصيل الحدث:

أصاب بغدادَ غَرَقٌ عظيمٌ حتى طفح الماء من أعلى أسوارِ بغداد إليها، وغرق كثيرٌ منها، ودخل الماءُ دار الخلافة وسَطَ البلد، وانهدمت دارُ الوزير وثلاثمائة وثمانون دارًا، وانهدم مخزنُ الخليفة، وهلك مِن خزانة السلاحِ شيء كثير، وأشرف الناسُ على الهلاك وعادت السفُنُ تدخل إلى وسط البلدة، وتخترق أزقَّة بغدادَ.

العام الهجري : 654 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1256
تفاصيل الحدث:

في ليلةِ الجُمُعةِ مُستهَلَّ رَمَضانَ احترق المسجدُ النبوي بالمدينةِ- على ساكِنِه أفضَلُ الصلاة والسلام، ابتدأ حريقُه من زاويتِه الغربيَّة من الشمال، وكان دخل أحدُ القومةِ إلى خزانةٍ ومعه نار فعَلِقَت في الأبوابِ ثم اتصلت بالسَّقفِ بسُرعةٍ، ثم دبَّت في السقوف، وأخذت قبلةً فأعجلت النَّاسَ عن قطعها، فما كان إلا ساعةٌ حتى احترقت سقوفُ المسجِدِ أجمع، ووقعت بعض أساطينِه وذاب رصاصُها، وكلُّ ذلك قبل أن ينامَ النَّاسُ، واحترق سقف الحُجرةِ النبويَّة ووقع ما وقع منه في الحُجرة، وقد خرَّب الحريقُ المسجِدَ، ولم يُفلِتْ منه إلاَّ قبَّةُ الناصر لدين الله التي كانت في رحبتِه، وبقي على حالِه حتى شرع في عمارةِ سَقفِه وسَقفِ المسجِدِ النبوي، وأصبح الناسُ فعزلوا موضعًا للصلاة، وعُدَّ ما وقع من تلك النَّار ِالخارجة وحريقِ المسجد من جملة الآيات، وكأنها كانت منُذِرةً بما يعقُبُها في السنة الآتية من الكائناتِ، وحين بلغ المستعصِمَ العباسيَّ الخبَرُ أرسل الصنَّاعَ والآلاتِ في موسم الحج، وبدأ العمل عام 655هـ. وقد حدثت في هذا العامِ أحداثُ التتار وحروبهم، ولكِنَّ عمل البناءِ لم يتوقَّفْ؛ إذ اشترك فيه الملك المظفَّر ملك اليمن، وملك مصر نور الدين علي بن المعز الصالحي، وإن كانت العمارةُ لم تنتهِ إلا في عهد الملك الظاهر بيبرس.

العام الهجري : 655 العام الميلادي : 1257
تفاصيل الحدث:

وقوع فتنة عظيمة ببغداد بين الرافضة وأهل السنة، قال ابن كثير: "فنُهِبَ الكرخ ودُورُ الرافضة حتى دورُ قرابات الوزير ابنِ العلقمي، وأنَّ ذلك من أقوى الأسبابِ في ممالأتِه للتتار".

العام الهجري : 655 العام الميلادي : 1257
تفاصيل الحدث:

اعتنق الإسلامَ بَرَكةُ خان بن جوجي بن جنكيز خان المغولي متمَلك بلاد القبجاق, وزعيمُ القبيلة الذهبيَّة المغولية, وهو ابنُ عم هولاكو، وكذلك أسلَمَت زوجتُه ججك. أسلم بركةُ خان على يد الشَّيخِ أبو المعالي سعيد بن المطهر الباخرزي, وكان عنده ستون زوجة، فأمره باتخاذِ أربعٍ فقط وفراق الباقيات، ففعل، ورجع إلى بلاده، وأظهر شعائر الملة الإسلامية، وأسلم معه جماعةٌ من أمرائه وأهل بيته، وأخذوا في تعلُّمِ الفرائض.

العام الهجري : 655 العام الميلادي : 1257
تفاصيل الحدث:

جرت فتنةٌ مهولة ببغدادَ بين الناس وبين الرَّافضة، وقُتِلَ عدة من الفريقين، وعَظُم البلاء، ونهب الكرخ، فحنق ابن العلقمي الوزير الرافضي، وكاتَبَ هولاكو، وطَمَّعَه في العراق، فجاءت رسُلُ هولاكو إلى بغدادَ، وفي الباطِنِ معهم فرماناتٌ لغير واحد، وَصَلت جواسيس هولاكو إلى وزير الخليفة العباسي المستعصم بالله مؤيد الدين محمد بن العلقمي الرافضي ببغداد، وتحَدَّثوا معه ووعدوا جماعةً مِن أمراء بغداد مواعيدَ، والخليفةُ لا يدري ما يتمُّ، وأيَّامُه قد ولت ثم قَوِيَ قَصدُ هولاكو بن طولو بن جنكيزخان بغداد، وبعث يطلبُ الضيافةَ مِن الخليفة فكَثُرَ الإرجافُ ببغداد، وخرج الناسُ منها إلى الأقطار، ونزل هولاكو تجاهَ دار الخلافة وملك ظاهِرَ بغداد، وقتل من الناسِ عالَمًا كثيرًا.

العام الهجري : 655 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1257
تفاصيل الحدث:

هو السُّلطانُ الملك المعز عِزُّ الدنيا والدين، أيبك التركماني، الصالحي الجاشنكير- جاشنكير متذوِّق طعام السلطان-  صاحب مصر. لما قتل المماليكُ المعظَّم توران شاه، خَطَبوا لشجرةِ الدر أمِّ خليل أيامًا، وكانت تعلِّمُ على المناشير، وتأمُرُ وتنهى، ويُخطَبُ لها بالسلطنة. ولما وصل الخبَرُ بذلك إلى بغداد فبعث الخليفة المستعصم بالله من بغداد كتابا إلى مصر وهو ينكِرُ على الأمراء ويقولُ لهم: "إن كانت الرجالُ قد عَدِمَت عندكم فأعلِمونا حتى نسَيِّرَ إليكم رجلًا" فاجتمع الأمراءُ والبحرية للمشورة واتفقوا على إقامة الأمير عز الدين أيبك مقَدَّم العسكر في السلطنة ولقَّبوه بالملك المعز. كان المعزُّ أكبر الصالحية، دَيِّنًا عاقلًا ساكًنا، كريمًا تاركًا للشرب. ملكوه في أواخر ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين، وتزوَّجَ بأم خليل، فأنِفَ من سلطنتِه جماعة، فأقاموا في الاسمِ الملك الأشرف موسى بن الناصر يوسف ابن المسعود أطسز بن السلطان الملك الكامل وله عشرُ سنين، وذلك بعد خمسة أيام، فكان التوقيع يبرز وصورته: رسم بالأمر العالي السلطاني الأشرفي والملكي المعزي. واستمَرَّ ذلك والأمور بيد المعز، وكان في المعِزِّ تُؤَدة ومداراة، ثم استقَلَّ بالملك بلا منازعة، وكسر الناصِرَ لَمَّا أراد أخذ الديار المصرية وقَتَلَ فارِسَ الدين أقطاي الجمدار- جمدار حامل ملابس السلطان- سنة ثنتين وخمسين، وخلع بعده الأشرفَ، واستقَلَّ بالملك وحده، وهو واقِفُ المدرسة المعزية بمصرَ ومجازُها من أحسن الأشياء. كان موتُه في يوم الثلاثاء  الثالث والعشرين من ربيع الأول، أصبح المعز بداره ميتًا فاتَّهَم مماليكُه زوجته شجرة الدر، وقد كان عَزَم على تزوُّجِ ابنة صاحب الموصل بدر الدين لؤلؤ، فأمرت جواريها أن يمسِكنَه لها فما زالت تضربُه بقباقيبِها والجواري يَعركنَ في أنثَيَيه حتى مات وهو كذلك، وقيل بل أعدت له شجرة الدرِّ خمسةً ليقتلوه منهم محسن الجوجري، وخادمٌ يعرف بنصر العزيزي، ومملوكٌ يسمى سنجر، فلما كان يوم الثلاثاء ركب الملك المعز من الميدان بأرضِ اللوق، وصَعِدَ إلى قلعة الجبل آخِرَ النهار، ودخل إلى الحمام ليلًا، فأغلق عليه الباب محسن الجوجري، وغلام كان عنده شديدُ القوة ومعهما جماعة، وقتلوه بأن أخذه بعضُهم بأنثييه وبخناقه، فاستغاث المعز بشَجَرةِ الدر فقالت اتركوه، فأغلظ لها محسن الجوجري في القول، وقال لها: متى ترَكْناه لا يبقي علينا ولا عليك، ثم قتلوه، وأقامت الأتراكُ بعده ولَدَه عليًّا، بإشارةِ أكبر مماليكه الأمير سيف الدين قطز، ولَقَّبوه الملك المنصور، وخُطِبَ له على المنابر وضُرِبَت السكة باسمه وجَرَت الأمور على ما يختاره برأيه ورسمه، عاش المعِزُّ نيفًا وخمسين سنة، وكان قد مكث في الملك نحوًا من سبع سنين.

العام الهجري : 655 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1257
تفاصيل الحدث:

هي شجرةُ الدر الصالحيَّة بنت عبد الله أم خليل التركيَّة، ذاتُ حُسنٍ وظرف ودهاء وعقل، ونالت من العِزِّ والجاه ما لم تنَلْه امرأة في عصرها، كانت جاريةً اشتراها الملك الصالح نجم الدين أيوب، وحَظِيَت عنده بمكانةٍ كبيرة، وكانت أمَّ ولدٍ عنده؛ فقد ولدت منه خليلًا، من أحسن الصور، فمات صغيرًا، وكانت تكونُ في خدمة الملك الصالحِ لا تفارقه حضرًا ولا سفرًا من شدة محبته لها, فأعتَقَها وتزوَّجَها. وكانت تقومُ بتدبير شؤون الدولة في أثناء مرض زوجِها، فلما تُوفى الملك الصالح بدمياط في أثناء حربه مع الإفرنج سنة 647 كتمت خبَرَ موته، وأرسلت إلى ابنه توران شاه ليتولى أمورَ الملك من بعده، إلَّا أن توران شاه هدَّدها، وطالبها بأموال الملك الصالح، فدبَّرت لقَتلِه، وبعد مقتَلِه اجتمعت الآراء على توليتها السلطنة في صفر سنة 648, وكان مماليك الصالح يخضعون لها، فمَلَّكوها بعد قتل المعظَّم توران شاه ثمانين يومًا، وكان المعِزُّ لا يقطع أمرًا دونها، ولها عليه صولةٌ، وكانت جريئةً وَقِحة، قتَلَت وزيرَها الأسعَدَ، وكانت تحجُر على الملك المعز، فأنِفَ من ذلك, ولما بَلَغَها عزمُ المعز الزواجَ مِن بنت بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل قتَلَتْه, ولما توفِّيَ لم يصَدِّقْ مماليك عز الدين بأنه توفي بغير سببٍ، وقام الأمير علم الدين سنجر الغتمي - وهو يومئذٍ شَوكةُ البحرية وشديدُهم- وبادر هو والمماليك إلى الدور السلطانية، وقبضوا على الخُدَّام والحريم وعاقبوهم، فأقَرُّوا بأن شجرة الدر أمرت مماليكَها بقتله، وعند ذلك قبضوا على شجرةِ الدر، ومحسن الجوجري، وناصر الدين حلاوة، وصدر الباز، وفر العزيزي إلى الشام، فأراد مماليكُ المعز قَتْلَ شجرة الدر، فحماها الصالحيَّة، ونُقِلَت إلى البرج الأحمر بالقلعة، ثم لما أقيم ابنُ المعز في السلطنة، حُمِلَت شجرةُ الدر إلى أمِّه في اليومِ السابع عشر، فضرَبَها الجواري بالقباقيبِ إلى أن ماتَت، وألقوها من سور القلعة إلى الخندقِ، وليس عليها سراويل وقميص، فبَقِيَت في الخندق أيامًا، ثم دفنت بعد أيام - وقد نتنت، وحُمِلَت في قفة- بتربتها قريب المشهد النفيسي، وكانت من قُوَّةِ نَفسِها، لما عَلِمَت أنها قد أحيطَ بها، أتلفت شيئًا كثيرًا من الجواهِرِ واللآلئ، كسَّرَته في الهاون، وقد قيل إنه لما سمع مماليك عز الدين أيبك بخبر وفاته أقبلوا بصحبة مملوكه الأكبر سيف الدين قطز، فقتلوها وألقوها على مزبلةٍ غيرَ مستورةِ العورةِ.

العام الهجري : 655 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1257
تفاصيل الحدث:

وقَعَت الوحشةُ بين الملك الناصر وبين من عنده من المماليك البحريَّة، ففارقوه في شوال، وقصدوا الملك المغيثَ صاحب الكرك، فأخرج الأميرُ سيف الدين قطز العسكَرَ الصالحية، فواقعوهم في يوم السبت خامِسَ عشر ذي القعدة، وأسَرُوا الأمير سيف الدين قلاوون، والأميرَ سيف الدين بلبان الرشيدي، وقتل الأمير سيف الدين بلغان الأشرفي، وانهزم عَسكَرُ الكرك وفيهم بيبرس البندقداري، وعاد العسكرُ إلى القاهرة، فضمن الأميرُ شرف الدين قيران- المعزي وهو أستادار السلطان- الأمير قلاوون وأطلقه، فأقام قلاوون بالقاهرة قليلًا، ثم اختفى بالحُسَينية عند سيف الدين قطليجا الرومي، فزوَّدَه وسار إلى الكرك.

العام الهجري : 656 العام الميلادي : 1258
تفاصيل الحدث:

نزل هولاكو بجيشِه المغولي بعدَ مذبحةِ بغداد حرَّان واستولى عليها ومَلَك بلادَ الجزيرة، ثم سيَّرَ ولده أشموط إلى الشامِ وأمره بقطعِ الفرات وأخْذ البلاد الشامية، وسيَّرَه في جمعٍ كثيف من التتار فوصَلَ أشموط إلى نهرِ الجوز وتل باشر، ووصل الخبَرَ إلى حلب من البيرة بذلك، وكان نائبُ السلطان صلاح الدين يوسف بحلب ابنه الملك المعظم توران شاه، فجفَل النَّاسُ بين يدي التتارِ إلى جهة دمشق وعظم الخطب، واجتمع الناسُ من كلِّ فجٍّ عند الملك الناصر بدمشق، واحترز الملك المعظَّم توران شاه بن الملك الناصر بحَلَب غاية الاحتراز، وكذلك جميعُ نوَّاب البلاد الحلبيَّة، وصارت حَلَب في غاية الحصانة بأسوارها المحكَمة البناءِ وكثرة الآلات، فلمَّا كان العشر الأخير من ذي الحِجَّة قصد التتارُ حَلَب ونزلوا على قريةٍ يقال لها سلميَّة وامتَدُّوا إلى حيلان والحادي، وسيَّروا جماعةً مِن عَسكَرِهم أشرفوا على المدينة، فخرج عسكرُ حلب ومعهم خلقٌ عظيم من العوام والسُّوقة، وأشرفوا على التتار وهم نازلونَ على هذه الأماكِنِ، وقد رَكِبوا جميعُهم لانتظار المسلمينَ، فلمَّا تحقَّق المسلمون كثرتَهم كَرُّوا راجعين إلى المدينة، فرسم المَلِكُ المعظَّم بعد ذلك ألا يخرُجَ أحد من المدينة، ولما كان غدُ هذا اليوم رحلت التتارُ من منازلهم طالبين مدينةَ حلب، واجتمع عسكرُ المسلمين بالنواشير وميدان الحصا وأخذوا في المشورة فيما يعتَمِدونه، فأشار عليهم الملك المعظَّم أنهم لا يخرجون أصلًا لكثرة التتار ولقوَّتهم وضعف المسلمين على لقائهم، فلم يوافِقْه جماعة من العسكر وأبوا إلَّا الخروج إلى ظاهر البلد لئلَّا يطمع العدو فيهم، فخرج العسكرُ إلى ظاهر حلب وخرج معهم العوامُّ والسوقة، واجتمع الجميعُ بجبل بانقوسا، ووصل جمع التتار إلى أسفَلِ الجبل فنزل إليهم جماعة من العسكر ليقاتِلوهم، فلما رآهم التتار اندفعوا بين أيديهم مكرًا منهم وخديعةً، فتبعهم عسكرُ حلب ساعةً من النهار، ثم كرَّ التتار عليهم فوَلَّوا منهزمينَ إلى جهة البلد والتتارُ في أثرهم، فلما حاذوا جبل بانقوسا وعليه بقية عسكر المسلمين والعوام اندفعوا كلُّهم نحو البلد والتتار في أعقابِهم، فقتلوا من المسلمينَ جمعًا كثيرًا من الجند والعوام، ونازل التتارُ المدينة في ذلك اليوم إلى آخره، ثم رحلوا طالبينَ أعزاز فتسَلَّموها بالأمانِ.