الموسوعة الحديثية


- احتجَّ آدمُ وموسى عندَ ربِّهما فحجَّ آدمُ موسى عليهما السَّلامُ فقالَ موسى أنتَ الَّذي خلقَكَ اللَّهُ بيدِهِ ونفخَ فيكَ من روحِهِ وأسجدَ لكَ ملائكتَهُ وأسكنكَ جنَّتَهُ ثمَّ أهبطتَ النَّاسَ بخطيئتِكَ إلى الأرضِ قالَ آدمُ أنتَ موسى الَّذي اصطفاكَ اللَّهُ برسالاتِهِ وكلامِهِ وأعطاكَ الألواحَ فيها تبيانُ كلِّ شيءٍ وقرَّبَكَ اللَّهُ نجيًّا فبكم وجدتِ التَّوراةُ قبلَ أن أخلقَ قالَ موسى بأربعينَ عامًا قالَ آدمُ فهل وجدتَ فيها {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: 121]؟ قالَ نعم قالَ أفتلومني أن أعملَ عملًا كتبَهُ اللَّهُ عليَّ أعملُهُ بعلمِهِ قبلَ أن يخلقَني بأربعينَ سنةً قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فحجَّ آدمُ موسى
الراوي : أبو هريرة | المحدث : البيهقي | المصدر : الاعتقاد للبيهقي | الصفحة أو الرقم : 101 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه البخاري (6614)، ومسلم (2652)، والبيهقي في ((الاعتقاد)) (ص98) واللفظ له
أخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بكثيرٍ من أُمورِ الغَيبِ ممَّا علَّمَه اللهُ تعالى وأخبَرَه به؛ لِتَثبيتِ العَقيدةِ الصَّحيحةِ في النُّفوسِ، كما في هذا الحديثِ، حيث يقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "احتجَّ آدمُ وموسى"، أي: أتى كلٌّ منهما بحُجَّةٍ على ما يقول؛ وذلك "عندَ ربِّهما"، أي: عندَما الْتقَتْ أرواحُهما في السَّماءِ، فوقَعَ الحِجاجُ بيْنهما، ويَحتمِلُ أنَّ ذلك جَرى في حياةِ مُوسى؛ حيث سأَلَ اللهَ تعالى أنْ يُرِيَه آدَمَ، والأوْلى تفويضُ كيفيةِ ذلك إلى الله، قال: "فحجَّ آدمُ موسى عليهما السلامُ"، أي: غلَب، آدمُ موسى، بالحُجَّةِ في دَفْع اللَّومِ الآتي، "قال موسى: أنت الذي خَلَقَك اللهُ بيدِه، ونَفَخَ فيك من رُوحِهِ، وأسجَدَ لك ملائكتَه، وأسْكنَك جنَّتَه، ثم أهبطتَ الناسَ بخَطيئتِك إلى الأرض" يلومُ مُوسى عليه السَّلامُ آدَمَ عليه السَّلامُ، أنَّه كان السَّببَ في الإخراجِ من الجنَّةِ الَّتي أسْكنَهُ اللهُ فيها بعدَ أنْ كرَّمه اللهُ بهذه الأمور، وإنَّما وقَعَ اللَّوْمُ على المُصيبةِ التي أخرجتْ أولادَه من الجنَّةِ، لا على الذَّنبِ الذي هو الأكلُ مِن الشَّجرةِ، "قال آدمُ: أنت موسى الذي اصطَفاك اللهُ برِسالاتِهِ وكلامِهِ، وأعطاك الألواحَ فيها تِبْيانُ كلِّ شيءٍ"، أي: اختارَكَ على النَّاسِ برِسالتِه؛ وأعطاكَ أسفَارَ التَّوراةِ، وميَّزك بكلامِهِ من غير حِجابٍ، "وقرَّبك اللهُ نَجِيًّا"، أي: قرَّبك واختصَّك بكلامِهِ دون واسطةٍ، "فبكَمْ وُجدَتِ التوراةُ قبلَ أنْ أُخلقَ؟"، أي: بكَم سَنَةٍ قبل أن أُخلقَ، كتَبَ اللهُ التوراةَ وما فيها؟ "قال موسى: بأربعين عامًا، قال آدمُ: فهل وجدْتَ فيها {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: 121]؟"، أي: هل وجدْتَ ذلك مكتوبًا في التوراةِ، وهي مكتوبةٌ قبل خَلْقي؟ "قال: نعم، قال: أفتلومُني أنْ أعملَ عملًا كتَبَه اللهُ عليَّ أعْمَلُه بعِلمِه قبلَ أنْ يخلُقَني بأربعين سَنةً؟!"، أي: تَلُومني على أمرٍ قُدِّرَ عليَّ قبل أن أُخلَقَ، وحَكَمَ اللهُ بأنَّ ذلك كائنٌ لا محالةَ؛ لعِلمِه السَّابق؟ لقد أكلْتُ من الشَّجرةِ، وتاب اللهُ عليَّ، وكان قضاءُ الله وقدَرُه أنَّ آدمَ سينزلُ الأرضَ كما في قوله تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة 30]، "قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فحَجَّ آدَمُ موسى"، أي: غلَبَه بالحُجَّةِ، وظَهَر عليه بها وأسْكَتَه، وأَلْزَمَهُ أَنَّ قَضَاءَ اللهِ عزَّ وجلَّ نَافِذٌ على العَبْدِ لا يُنْجِيهِ منه شَيءٌ، وهذا تقريرٌ لما سبَقَ وتأكيدٌ له.
ولم يَكُنْ آدمُ عليه السلامُ مُحتجًّا على فِعلِ ما نُهِيَ عنه بالقدَرِ، بل هو احتجاجٌ بالقَدَر على المصيبةِ الناتجةِ من فِعْلِهِ، وهي الخروجُ من الجنَّةِ؛ فالقدَرُ يُحتجُّ به على المصائبِ لا على المعائبِ، ولو أنَّ موسى عليه السَّلامُ لامَ آدَمَ على الذَّنبِ لأجابَه: إنَّني أذنبتُ فتُبتُ، فتابَ اللهُ عليَّ، ولقال له: أنتَ يا موسى أيضًا قَتلتَ نفْسًا، وألقيتَ الألواحَ إلى غيرِ ذلك، إنما احتجَّ موسى بالمُصيبةِ فحَجَّه آدَمُ عليه السَّلامُ بالقَدَرِ، وإذا كانتِ المعصيةُ بعدَ التوبةِ منها؛ فإنَّها تُعتبرُ من المصائبِ، فما قدِّر من المصائبِ يجِبُ الاستسلامُ له، فإنَّه من تمامِ الرضا بالله ربًّا، وأمَّا الذنوُب فليس للعبد أن يُذنِبَ، وإذا أذنب فعليه أن يستغفِرَ ويتوبَ، فيتوبَ من المعائبِ، ويَصبِرَ على المصائبِ. قال تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [غافر: 55]، وليس لأحدٍ أنْ يَحتجَّ بالقَدَرِ على فِعلِ الذنوب والآثامِ؛ فإنَّ هذا لو كان مقبولًا لاحتَجَّ كلُّ مَن أرادَ قتْلَ النُّفوسِ وأخْذَ الأموالِ، وسائرَ أنواعِ الفسادِ في الأرضِ، واحتجَّ بالقَدَرِ، ونفْسُ المحتجِّ بالقدَرِ إذا اعتُدِيَ عليه، واحتجَّ المُعتدِي بالقدَرِ لم يَقْبَلْ منه، بل يتناقضُ، وتناقُضُ القولِ يدلُّ على فَسادِه؛ فالاحتجاجُ بالقدَرِ معلومُ الفسادِ في بَدائِهِ العُقولِ.
وفي الحَديثِ: المناظَرةُ في أُصولِ الدِّيانةِ، وإقامةُ الدَّليلِ على الصَّحيحِ منها.
وفيه: إثباتُ صِفةِ الكلامِ للهِ تعالى، وذلك على ما يَليقُ بكَمالِه وجَلالِه( ).