الموسوعة الحديثية


- إنَّ الميِّتَ لَيعذَّبُ ببكاءِ الحيِّ ، إذا قالت : واعَضُداه ! وامانِعاه ! واناصِراه ! واكاسِياه ! جبَذ الميتَ فقيل : أناصرُها أنت ؟ ! أكاسِيَها أنت ؟ ! .
الراوي : أبو موسى الأشعري | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترغيب | الصفحة أو الرقم : 3523 | خلاصة حكم المحدث : حسن لغيره
كانتْ عاداتُ الجاهليَّةِ تَسُودُ مُجتمعَ العرَبِ وتُسيطِرُ على تَفكيرِهم، فلمَّا جاء الإسلامُ أبقَى منها ما كان خيرًا ومدَحَهُ وشجَّعَ عليه، وما كان شَرًّا رفَضَه وذمَّه وحارَبَه، وقدْ أمَرَ الشَّرعُ الحَكيمُ بالصَّبرِ عندَ المصائِبِ، وخاصَّةً عندَ نُزولِ مُصيبةِ الموتِ.
وفي هذا الحديثِ يُخْبِرُ أبو موسى الأشعريُّ رضِيَ اللهُ عنه: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: "إنَّ الميِّتَ لَيُعذَّبُ ببُكاءِ الحيِّ"، أي: يُعذَّبُ في قبْرِه ببُكاءِ الحيِّ مِن أهْلِه عليه وفِعلِهم فِعلَ عاداتِ الجاهليَّةِ، والمعنى: أنَّ الميِّتَ يُعذَّبُ ببُكاءِ الحيِّ إذا كان البُكاءُ مِن سُنَّةِ الميِّتِ، أو إذا أَوْصَى به، أو أنَّ سَماعَ صَوتِ البُكاءِ هو نفْسُ العذابِ، كما يُعذَّبُ الإنسانُ ببُكاءِ الأطفالِ. وقيل: إنَّ العذابَ المقصودَ في الحديثِ هو الألَمُ، أي: إنَّ الميِّتَ لَيتألَّمُ ببُكاءِ أهْلِه عَليهِ وما يَقعُ مِنهم.
"إذا قالتْ: واعضُداهُ! وامانِعاهُ! واناصِراهُ! واكاسِياهُ!"، أي: إذا قالتِ المرأةُ عندما تَندُبُ وتَنوحُ وتُعدِّدُ هذه الصِّفاتِ، وأنَّه كان سنَدَها وكاسِيَها وحامِيَها، "جُبِذَ الميِّتُ، فقيلَ: أناصِرُها أنت؟! أكاسِيها أنت؟!" أي: يُحَرَّكُ ويُشَدُّ مِن مكانِه، ويُنْهَرُ ويُزْجَرُ، ويُقال: أأنتَ كذلِكَ؟! وتقولُ الملائكةُ هذا القولَ؛ زَجْرًا له واستنكارًا لِمَا يُقال عنه.
وحمَلَ طائفةٌ مِن العُلماءِ ذلك على مَن أوْصَى به، أو كانت عادتُهم كذلك ولم يَنْهَهُم، فلمْ يُوصِ قبْلَ موتِه بألَّا يُحْدِثوا قولًا ولا فِعْلًا مُنْكرًا، وهذا كان مَشهورًا عندَ العربِ؛ لأنَّه إذا غلَبَ على ظنِّه فِعْلُهم له، ولم يُوصِهم بتَرْكِه، فقد وصَّى به، وصار كمَن ترَكَ النَّهيَ عن المُنكَرِ مع القُدرةِ عليه، فأمَّا إذا أوصاهم بتَرْكِه، فخالَفوه؛ فاللهُ أكرَمُ مِن أنْ يُعذِّبَه بذلك.
وهذا يَتعارَض مع قولِه تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]، أي: إنَّ هذا الحديثَ ظاهِرُه يُعارِضُ ما جاء في هذه الآيةِ؛ وهو أنَّ المَيِّتَ لا يَتحمَّلُ وِزرًا مِن أهلِه، أو أيِّ نفْسٍ أُخرى بعدَ موتِه، لكنْ تُحْمَلُ الآيةُ على أنَّ الميِّتَ يَتحمَّلُ الوِزرَ إذا ما رضِيَ أو أوْصَى بهذا الفعْلِ.