الموسوعة الحديثية


- قلتُ يا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من أبرُّ قال أمَّك ثمَّ أمَّك ثمَّ أمَّك ثمَّ أباك ثمَّ الأقربَ فالأقربَ وقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يسألُ رجلٌ مولاه من فضلٍ هو عنده فيمنعَه إيَّاه إلَّا دُعِي له يومَ القيامةِ فضلُه الَّذي منعه شُجاعًا أقرعَ
الراوي : معاوية بن حيدة القشيري | المحدث : المنذري | المصدر : الترغيب والترهيب | الصفحة أو الرقم : 2/72 | خلاصة حكم المحدث : [ لا ينزل عن درجة الحسن وقد يكون على شرط الصحيحين أو أحدهما] | التخريج : أخرجه أبو داود (5139) واللفظ له، والترمذي (1897)، وأحمد (20028)
الأمُّ هي مَحلُّ البِرِّ والإكرامِ، وهي رمْزُ التَّضحيةِ والفِداءِ، والطُّهْرِ والنَّقاءِ، وهي الأصلُ الَّذي يَشرُفُ به الولَدُ، وأحَقُّ النَّاسِ بصُحبتِه، ويَلِيها الأبُ في حقِّ البرِّ والصُّحبةِ.
وفي هذا الحديثِ يَحكي مُعاويةُ بنُ حَيدةَ القُشيريُّ رضِيَ اللهُ عنه أنَّه قال: "قلْتُ: يا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، مَن أبَرُّ؟" أي: مَن أَوْلى النَّاسِ بالإحسانِ إليه والبِرِّ به في مُصاحبتِه له؟ فأجابَهُ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلم، فقال: "أُمَّك، ثمَّ، أُمَّك، ثمَّ أُمَّك"، أي: هي أَوْلى النَّاسِ بحُسنِ المُعامَلةِ والبِرِّ وطِيبِ المُعاشَرةِ، هكذا أوصاهُ بالأُمِّ وأكَّدَ حقَّها في حُسنِ المُعامَلةِ ثلاثَ مرَّاتٍ؛ بَيانًا لِفَضْلِها على سائرِ الأقاربِ دونَ استثناءٍ، ثمَّ قال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُبيِّنًا مَن يَلِيهَا في البِرِّ؛ فقال: "ثمَّ أباكَ، ثمَّ الأقرَبَ فالأقرَبَ"، فكرَّرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حقَّ الأُمِّ ثلاثًا، وذكَرَ حقَّ الأبِ مرَّةً واحدةً، ولعلَّ ذلك لكَثرةِ أفضالِها على ولَدِها، وكثرةِ ما تَحمَّلَتْه مِن المتاعبِ الجِسميةِ والنَّفسيَّةِ أثناءَ حمْلِها به، ووضْعِها وإرضاعِها له، وخِدْمتِها وشَفقتِها عليه، ثمَّ يأْتي بعدَهما في البِرِّ الأقارِبُ مِن ذَوِي الأرحامِ وغيرِهم، وقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "لا يَسأَلُ رجُلٌ مَولاهُ"، يَدخُل تحتَه المَولى المُعتِقُ، وكذلك المَولى الَّذي هو القَريبُ؛ لأنَّ هذا اللَّفظُ يُطلَقُ على هذا وعلى هذا، كما قال اللهُ عَزَّ وجَلَّ: {يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى} [الدخان: 41]، "مِن فَضْلٍ هو عندَه"، أي: مِن زِيادةِ مالِه الباقيةِ عندَه، "فيَمنَعُه إيَّاهُ، إلَّا دُعِيَ له يومَ القيامةِ فضْلُه الَّذي منَعَهُ شُجاعًا أقرَعَ"، والمعنى: صُوِّرَ له مالُه الَّذي بَخِلَ به بصُورةِ ثُعْبانٍ سامٍّ، يُخوِّفُه ويَضرِبُه.
وفي الحديثِ: بَيانُ مَكانةِ الوالدينِ والأُمِّ خُصوصًا.
وفيه: بَيانُ إِثمِ البُخلِ بالمالِ الزَّائدِ، والوَعيدِ الشَّديدِ المُتَرتِّبِ على ذلك.