- انطلقْتُ مع أَبي نحوَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلمَّا رأيْتُه قال أَبي: هل تَدري مَن هذا؟ قُلْتُ: لا، قال لي أَبي: هذا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. فاقشَعْرَرْتُ حين قال ذاكَ، وكنتُ أَظُنُّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شيئًا لا يُشْبِهُ النَّاسَ، فإذا بَشَرٌ له وَفْرةٌ - قال عفَّانُ في حديثِه: ذو وَفْرةٍ -، وبها رَدْعٌ مِن حِنَّاءٍ، وعليه ثَوبانِ أَخضرانِ، فسلَّمَ عليه أَبي، ثمَّ جلَسْنا، فتَحدَّثْنا ساعةً، ثمَّ إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال لأَبي: ابنُكَ هذا؟ قال: إي وربِّ الكعبةِ، قال: حقًّا؟ قال: أَشهَدُ به! فتبسَّمَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ضاحِكًا مِن ثَبَتِ شَبَهي بأَبي، ومِن حَلِفِ أَبي عليَّ، ثمَّ قال: أمَا إنَّه لا يَجْني عليكَ ولا تَجْني عليه. قال: وقرَأَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: 15]. قال: ثمَّ نَظَر إلى مِثْلِ السِّلْعةِ بيْن كتِفَيهِ، فقال: يا رسولَ اللهِ، إنِّي لأَطَبُّ الرِّجالِ، ألا أعُالِجُها لكَ؟ قال: لا، طبيبُها الَّذي خلَقَها.
الراوي : أبو رمثة | المحدث : أحمد شاكر | المصدر : مسند أحمد
الصفحة أو الرقم: 12/65 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح
قال: "ثمَّ إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال لأبي: ابنُك هذا؟" يَقصِدُ ابنَه أبا رِمْثةَ الَّذي رآهُ معه، "قال: إي، ورَبِّ الكعبَةِ"، أي: نعمْ ورَبِّ الكعبَةِ هو ابْنِي، فقال له النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "حقًّا؟" أي: إنَّ ما تَقولُهُ صِدقٌ؟ "قال: أشْهَدُ بهِ"، أي: أشهَدُ على ذلك، قال أبو رِمْثةَ رضِيَ اللهُ عنه: "فتبَسَّمَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ضاحكًا"، أي: تعجَّبَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وظهَرَ أثَرُ هذا التَّعجُّبِ في تَبسُّمِه صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "مِن ثَبَتِ شَبَهي بأبي"، أي: ثُبوتِ قُوَّةِ الشَّبهِ بيْني وبيْن أبي، "ومِن حَلِفِ أبي عليَّ"، أي: إنَّ قُوَّةَ هذا الشَّبَهِ تُغني عن الحَلِفِ، ثمَّ قال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "أمَا إنَّه لا يَجْني عليك"، أي: لا تُؤخَذُ بجِنايتِه، ولا تُعاقَبُ بذَنْبِه، "ولا تَجْني عليهِ"، أي: لا يُؤخَذُ بجِنايتِك، ولا يُعاقَبُ بذَنْبِك؛ فإنَّ المُذنِبَ هو الَّذي يُؤخَذُ بما فعَلَ وارتكَبَ مِن جِنايَةٍ، "وقرَأَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"، أي: تَلا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هذه الآيَةَ: {وَلَا تَزِرُ}، أي: لا تتَحمَّلُ نفْسٌ، {وَازِرَةٌ}: ارتكبَت إثمًا، {وِزْرَ أُخْرَى}: ذنْبَ نَفْسٍ أُخرى، والمَقصودُ: أنَّه لا يُعاقَبُ شخْصٌ بذَنْبِ غَيرِه، وإنَّما الَّذي يَستحِقُّ العُقوبةَ مَن فعَلَ الذَّنْبَ وارتكَبَ المعصيَةَ.
قال أبو رِمثةَ: "ثمَّ نظَرَ"، أي: والدُه، "إلى مِثْلِ السِّلْعةِ بيْن كَتِفَيه"، أي: ظنَّ أنَّ خاتَمَ النُّبوَّةِ الَّذي بِظَهرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شيئًا مُتعلِّقًا بمَرضٍ، "فقال: يا رَسولَ اللهِ، إنِّي لَأَطُبُّ الرِّجالَ"، أي: عارِفٌ بالطِّبِّ ومُعالَجةِ الأمراضِ، "ألَا أُعالِجُها لك؟ قال: لا، طَبيبُها الَّذي خلَقَها"، أي: إنَّ اللهَ عَزَّ وجلَّ هوَ الشَّافي والمُعافِي في الحقيقةِ.
وفي الحديثِ: بَيانُ أنَّ الشِّفاءَ بيَدِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ولا يَمنَعُ هذا مِن الأخذِ بالأسبابِ وطلَبِ التَّداوي مِن الأمراضِ.