الموسوعة الحديثية


- جاءتِ الأنصارُ بصبيٍّ لهم إلَى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ليصلِّيَ عَليهِ فقُلتُ - أو قيلَ لَهُ -: هَنيئًا لَهُ يا رسولَ اللَّهِ ، لم يَعمَل سوءًا قطُّ ، ولم يُدرِكْهُ ، عُصفورٌ من عصافيرِ الجنَّةِ قالَ: أو غيرُ ذلِكَ إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ لمَّا خلقَ الجنَّةَ ، خلقَ لَها أَهْلًا وَهُم في أصلابِ آبائِهِم وخلقَ النَّارَ ، وخلقَ لَها أَهْلًا وَهُم في أصلابِ آبائِهِم
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : العيني | المصدر : نخب الافكار | الصفحة أو الرقم : 7/413 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح على شرط مسلم

أُتيَ النَبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بصبيٍّ من الأنصارِ يصلِّي عليه، قالت : قلتُ : يا رسولَ اللهِ ! طوبى لهذا لم يعملْ شرًّا، ولم يدرِ بهِ ! فقال : أوْ غيرَ ذلك يا عائشةُ، إنَّ اللهَ خلق الجنةَ، وخلق لها أهلًا، وخلقها لهُم، وهمْ في أصلابِ آبائِهمْ، وخلق النارَ وخلق لها أهلًا، وخلقها لهمْ وهم في أصلابِ آبائهِم
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح أبي داود
الصفحة أو الرقم: 4713 | خلاصة حكم المحدث : صحيح

التخريج : أخرجه أبو داود (4713) واللفظ له، وبنحوه النسائي (1947)، وابن ماجه (82).


خَلَقَ الله سُبْحانَه وتعالى الخَلْقَ والأكوانَ، وقَدَّرَ مَقاديرَ كُلِّ شيءٍ، وبعِلْمِه عَلِمَ أهلَ الجَنَّةِ وأَهْلَ النَّارِ، وكُلٌّ مُيسَّرٌ لِما خُلِقَ لَه، ولا يصح إيمانُ عبدٍ حتَّى يُؤمِنَ بالقَدرِ، ولا بُدَّ مِنَ التَّسليمِ المُطْلقِ بِهِ، ومع ذلك لا يُعلِّقُ المرءُ تَقْصيرَه عليه؛ لأنَّ اللهَ خَلَقَ الإنسانَ، وهداه إلى مَعْرِفةِ الخيرِ والشَّرِّ، ولا أحَدَ يَعلمُ ما قُدِّرَ له إلَّا بَعدَ وُقوعِه.
وفي هذا الحديثِ تَحكي أمُّ المؤمنِينَ عائشةُ رَضِيَ اللهُ عَنْها: أنَّه "أُتِيَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بصَبِيٍّ مِن الأنصارِ يُصلِّي عليه"، أي: أُتِي إليه بطِفْلٍ صَغيرٍ قد مات ليُصلِّيَ عليه صلاةَ الجِنازةِ، فقالت عائشةُ رَضِيَ اللهُ عَنْها: "يا رسولَ اللهَ، طوبى لهذا؛ لم يَعْمَلْ شَرًّا، ولم يَدْرِ بِه"، أي: له الجَنَّةُ؛ لأنَّه لَمْ يَجْرِ عليه القلمُ فلَمْ تُكْتَبْ عليه الذُّنوبُ؛ لأنَّه لَمْ يُكلَّفْ بَعْدُ، وطُوبى، مَعْناها: أنَّ لهم مَزيدَ نعيمٍ وفَرَحٍ بالجَنَّةِ، وقيل: هو اسْمٌ للجَنَّةِ، وقيل: هو اسْمٌ للشَّجرةِ في الجَنَّةِ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "أوَ غيرَ ذلك يا عائِشةُ"، أي: إمَّا أنْ يَكونَ له الجَنَّةُ واحْتِمالُ أنْ يَكونَ له غيرُ ذَلِك؛ "إنَّ اللهَ خَلَق الجَنَّةَ، وخَلَق لها أهلًا"، أي: كُتِبوا في عِلْمِه عزَّ وجلَّ أنَّهم مِنْ أَهْلِها، "وخَلَقَها لَهُمْ، وهم في أصلابِ آبائهِم"، وهذا مزيدُ تأكيدٍ لعِلْمِ اللهِ بأَهْلِ الجَنَّةِ مِنْ قَبْلِ أنْ يُولَدوا.قيل: ويَحْتَمِلُ أنْ يُرادَ بِه خَلْقُ الذَّرِّ في ظَهْرِ آدَمَ، وقيل: ما كان في الأَزَلِ مَنْ سيَكونُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، ومَنْ سيكونُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فعبَّرَ عنِ الأزَلِ بأصلابِ الآباءِ، وهذا كُلُّه مُحْتَمَلٌ في عِلْمِ اللهِ تعالى.
"وخَلَق النَّارَ وخَلَق لها أهلًا، وخَلَقَها لهم وهُم في أصلابِ آبائهِمْ"، وهذا إشارةٌ منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى أنَّهم أَهْلٌ لها بأَهْليَّةٍ لا يَعْلَمُها إلَّا خالِقُها، ومِنْ هذا قولُه تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 172].
ولعلَّ مُرادَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنْ هذا الحَديثِ نَهْيُها عن المُسارعةِ إلى القَطْعِ مِنْ غيرِ أنْ يَكونَ عِنْدَها دَليلٌ قاطِعٌ. ويَحْتَمِلُ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال هذا قَبْلَ أنْ يَعْلَمَ أنَّ أطفالَ المسلمينَ في الجَنَّةِ؛ لِمَا وَرَدَ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن عائِشةَ رضِيَ اللهُ عنها، قالت: "قلتُ: يا رسولَ اللهِ، ذَرَاريُّ المؤمنينَ؟ فقال: هم مِنْ آبائِهم، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، بلا عَمَلٍ؟ قال: اللهُ أَعْلَمُ بما كانوا عامِلينَ، قلتُ: يا رسولَ اللهِ، فذَرَاريُّ المُشرِكينَ؟ قال: مِنْ آبائهِمْ، قلتُ: بلا عَمَلٍ؟ قال: اللهُ أَعْلَمُ بما كانوا عامِلينَ".
ولعلَّ الأَصَحَّ: أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَمْ يَرْتَضِ هذا القولَ مِنْها؛ لِما فيه مِنْ الحُكْمِ بالغيبِ، والجَزْمِ بإيمانِ أصلِ الوَلَدِ؛ لأنَّها أشارَتْ إلى طفلٍ مُعيَّنٍ، فالحُكْمُ على شَخْصٍ مُعيَّنٍ بأنَّه مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ لا يَجوزُ مِنْ غيرِ وُرودِ النَّصِّ؛ لأنَّه مِنْ عَلْمِ الغيبِ.
وفي الحديثِ: بيانُ أنَّ اللهَ خَلَقَ كُلَّ شيءٍ وقَدَّره وكَتَبه عِنْدَه وقَدَّرَ للجَنَّةِ أَهْلَها وللنَّارِ أَهْلَها.
وفيه: إرشادٌ للأُمَّةِ إلى التَّوقُّفِ في الأمورِ الْمُبْهَمَّةِ، والسُّكوتِ عمَّا لا عِلْمَ لهم بِه، وحُسْنِ الأَدَبِ بين يَدَيْ علَّامِ الغُيوبِ.