الموسوعة الحديثية


- لمَّا كان يومُ حُنينٍ قالت الأنصارُ : واللهِ إنَّ هذا لمن العجبِ ، إنَّ سيوفَنا تقطرُ من دماءِ قريشٍ ، وإنَّ غنائمَنا –أحسَبُه قال - معهم ، قال : فبلغ ذلك رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فبعث إلى الأنصارِ خاصَّةً فقال : ما الَّذي بلغني عنكم ؟ وكانوا لا يكذِبون ، فقالوا ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : أما ترضَوْن أن يذهبَ النَّاسُ بالغنائمِ وتذهبون برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى بيوتِكم ، ثمَّ قال : لو سلَكتِ الأنصارُ شِعبًا لسلكْتُ شِعبَ الأنصارِ
الراوي : أنس بن مالك | المحدث : أبو نعيم | المصدر : حلية الأولياء | الصفحة أو الرقم : 3/100 | خلاصة حكم المحدث : صحيح ثابت متفق عليه [أي:بين العلماء] | التخريج : أخرجه البخاري (3147)، ومسلم (1059) باختلاف يسير

 قالتِ الأنْصَارُ يَومَ فَتْحِ مَكَّةَ وأَعْطَى قُرَيْشًا: واللَّهِ إنَّ هذا لَهو العَجَبُ! إنَّ سُيُوفَنَا تَقْطُرُ مِن دِمَاءِ قُرَيْشٍ، وغَنَائِمُنَا تُرَدُّ عليهم! فَبَلَغَ ذلكَ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَدَعَا الأنْصَارَ، قالَ: فَقالَ: ما الذي بَلَغَنِي عَنْكُمْ؟ وكَانُوا لا يَكْذِبُونَ، فَقالوا: هو الذي بَلَغَكَ، قالَ: أوَلَا تَرْضَوْنَ أنْ يَرْجِعَ النَّاسُ بالغَنَائِمِ إلى بُيُوتِهِمْ، وتَرْجِعُونَ برَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى بُيُوتِكُمْ؟ لو سَلَكَتِ الأنْصَارُ وادِيًا أوْ شِعْبًا، لَسَلَكْتُ وادِيَ الأنْصَارِ أوْ شِعْبَهُمْ.
الراوي : أنس بن مالك | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 3778 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

التخريج : أخرجه البخاري (3778)، ومسلم (1059)


للأنصارِ مَناقبُ عَظيمةٌ وشرَفٌ كَبيرٌ، وقدْ أشارَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى هذا الفَضلِ في غيرِ ما حَديثٍ.
وفي هذا الحَديثِ بَيانٌ لبعضِ فَضائلِهم، حيثُ يَحْكي أنَسُ بنُ مالِكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ الأنْصارَ قالت يومَ فَتحِ مكَّةَ، يَعني عامَ فَتحِها في السَّنةِ الثَّامِنةِ مِن الهِجْرةِ، وبعْدَ أنْ قسَم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ غَنائمَ حُنَينٍ، وكان ذلك بعْدَ فَتحِ مكَّةَ بشَهرَينِ؛ لأنَّ أهلَ مكَّةَ لم تُقسَمْ أموالُهم، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدْ أعْطى قُريشًا ممَّن لم يَتمَكَّنِ الإيمانُ مِن قَلبِه -لِمَا بَقيَ فيه مِن الطَّبعِ البَشَريِّ في مَحبَّةِ المالِ- مِن غَنائمِ حُنَينٍ، يَتألَّفُهم بذلك؛ لتَطْمئِنَّ قُلوبُهم، وتَجتمِعَ على مَحبَّتِه، فقالتِ الأنْصارُ: واللهِ، إنَّ هذا الإعْطاءَ لهو العجَبُ؛ لأنَّ سُيوفَنا مِن كَثرةِ ما أصابَها مِن دِماء قُريشٍ تَقطُرُ دمًا، وغَنائمَنا -أيِ: الَّتي غَنِمْناها- تُرَدُّ عليهم فيُعْطيها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لهم، ولم يُعْطِنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ منها شَيئًا! وإنَّما قالوا مَقولتَهم تِلكَ؛ ظنًّا منهم أنَّه يُفضِّلُ قُرَيشًا عليهم، فبَلَغ ما قالوهُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فدَعا الأنْصارَ وجمَعَهم، ثم سَألَهم؛ وذلك ليُوضِّحَ لهم سَببَ إعطائِه لغَيرِهم، وليُبيِّنَ لهم فَضْلَهم عِندَه: ما الَّذي بلَغَني عنكم؟ فأجابوه -وكان الأنْصارُ لا يَكذِبونَ-: هو الَّذي بلَغَكَ، فسَألَهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أوَلَا تَرضَوْنَ أنْ يَرجِعَ النَّاسُ بالغَنائمِ بكلِّ أنْواعِها مِنَ الشَّاةِ والبَعيرِ إلى بُيوتِهم، وتَرجِعونَ برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى بُيوتِكم؟! فأيُّ الفَريقَينِ يكونُ الفائزَ؟! ثمَّ قال مُبيِّنًا لهم حُبَّه إيَّاهُم ومَكانَتَهم عِندَه: «لو سَلَكتِ الأنْصارُ واديًا» مَكانًا مُنخفِضًا، أوِ الَّذي فيه ماءٌ، أو «شِعبًا»، وهو ما انفرَجَ بيْنَ جبَلَينِ، أوِ الطَّريقُ في الجبَلِ؛ «لسلَكْتُ واديَ الأنْصارِ أو شِعبَهم»، وأرادَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بذلك حُسنَ مُوافَقَتِه إيَّاهم، وتَفْضيلَهم على غيرِهم؛ لِما شاهَدَ منهم مِن حُسنِ الجِوارِ، والوَفاءِ بالعَهدِ، لا مُتابعَتَه لهم؛ لأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هو المَتْبوعُ المُطاعُ لا التَّابعُ المُطيعُ.
وفي الحَديثِ: حِرصُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على الأنْصارِ، وحُبُّه لهم.
وفيه: دَليلٌ على إقامةِ الحُجَّةِ عندَ الحاجةِ إليها.