- إنَّ المُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأنَّهُ قاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخافُ أنْ يَقَعَ عليه، وإنَّ الفاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبابٍ مَرَّ علَى أنْفِهِ فقالَ به هَكَذا. قالَ أبو شِهابٍ: بيَدِهِ فَوْقَ أنْفِهِ ثُمَّ قالَ: لَلَّهُ أفْرَحُ بتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِن رَجُلٍ نَزَلَ مَنْزِلًا وبِهِ مَهْلَكَةٌ، ومعهُ راحِلَتُهُ، عليها طَعامُهُ وشَرابُهُ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنامَ نَوْمَةً، فاسْتَيْقَظَ وقدْ ذَهَبَتْ راحِلَتُهُ، حتَّى إذا اشْتَدَّ عليه الحَرُّ والعَطَشُ أوْ ما شاءَ اللَّهُ، قالَ: أرْجِعُ إلى مَكانِي، فَرَجَعَ فَنامَ نَوْمَةً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فإذا راحِلَتُهُ عِنْدَهُ.
الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 6308 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح][أورده في صحيحه وذكر له متابعة وعلق عليه]
ثُمَّ ذَكَر رَضِيَ الله عنه ما يُخفِّف على المؤمِنِ خَوْفَه من ذُنوبه، فذَكَر حديثَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: «لَلَّهُ» بلام التوكيدِ «أَفْرَحُ» بصِيغة التفضيل «بتوبةِ العبدِ» من مَعصِيَتِه «مِن رَجُلٍ نَزَل منزِلًا»، أي: مكانًا «وبه مَهْلَكَةٌ»، أي: مَظِنَّة الهلاك، وفي روايةٍ: «بِدَوِّيَّةٍ مَهْلَكَةٍ»، والدَّوِّيَّةُ: هي الأرضُ القَفْرُ والفَلَاةُ الخالِيَة، أي: البَرِّيَّةُ والصَّحْراء الَّتِي لا نباتَ فيها، «ومعه راحِلَتُه»، أي: ما يَركَبُه من الدَّوَابِّ «عليها طعامُه وشرابُه، فوَضَع رأسَه فنام نَوْمةً، فاستَيقظ وقدْ ذهبَتْ راحلتُه، حتَّى اشتدَّ عليه الحرُّ والعَطَش أو ما شاء اللهُ» مِن أنواع البلاءِ الأُخرَى «قال» لنَفسِه بعدَ مُحاولةِ البَحثِ عن الرَّاحلةِ: «أَرجِع إلى مكاني» يعني: الَّذِي نام فيه؛ ينتظِر الموتَ «فرَجَع فنام نَوْمةً، ثُمَّ رفَع رأسَه، فإذا راحلتُه عندَه»، وفي روايةٍ: «فاللهُ أشدُّ فَرَحًا بتوبةِ العَبدِ المؤمنِ من هذا»، أي: مِن فَرَحِ هذا الرجلِ «بِرَاحِلَتِه وزادِه»، وفي روايةٍ أنَّه قال: «اللَّهُمَّ أنت عبدِي وأنا ربُّك، أَخْطَأَ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ، فاللهُ أشدُّ فرحًا بتوبةِ عبدِه من ذلك الرجل».
فمِن رحمةِ الله تعالى أنْ يُيَسِّرَ التوبةَ لِمَن خاف الذُّنوبَ على نفسِه فبادَرَ بالتوبةِ.
وفي الحديثِ: إثباتُ صِفةِ الفَرحِ للهِ عزَّ وجلَّ، على ما يَليقُ بكمالِه وجلالِه؛ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].