الموسوعة الحديثية


- إنَّ هذِهِ الأمَّةَ مَرحومةٌ، عذابُها بأَيديها، فإذا كانَ يومُ القيامةِ، دُفِعَ إلى كلِّ رجلٍ منَ المسلِمينَ رجلٌ منَ المشرِكينَ، فيقالُ: هذا فِداؤُكَ منَ النَّارِ
الراوي : أنس بن مالك | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح ابن ماجه | الصفحة أو الرقم : 3483 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
تفضَّلَ اللهُ سُبحانَه وتعالى على أُمَّةِ الإسلامِ بالفَضلِ العظيمِ في الدُّنيا والآخرةِ، ومن ذلك ما يُخبرُ به أنسُ بنُ مالكٍ في هذا الحديثِ، مِن أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: "إنَّ هذه الأُمَّةَ مَرحومةٌ"، أي: يرحَمُها اللهُ عَزَّ وجَلَّ يومَ القِيامةِ، "عذابُها بأيدِيها"، أي: بأيدي بَعضِهم لبعضٍ في الدُّنيا، ويَحْتَمِلُ: أنَّ عذابَها يكونُ بما اقترَفَتْه من الذُّنوبِ في الدُّنيا، قال: "فإذا كان يومُ القِيامةِ دُفِعَ إلى كلِّ رجُلٍ من المُسلمينَ رجُلٌ مِن المُشركينَ، فيقالُ: هذا فِداؤُك من النَّارِ"، أي: إذا جاء يومُ القِيامةِ ووقَعَ فإنَّه تَعالى يُعْطي مَنزلِتَك في النَّارِ إيَّاه، ويُعْطي منزلِتَه في الجنَّةِ إيَّاك. ولعلَّ هذا لبعضِ المُؤمنينَ؛ لأنَّه قد ثبَتَ أنَّه لا بُدَّ مِن دُخولِ بعضِهم النَّارَ، أو أنَّه لِمَن يدخُلُ النَّارَ ثمَّ يُفْدى ويخرُجُ منها، أو أنَّه للكلِّ؛ مَن دخَلَ، ومَن لم يَدخُلْ ممَّن قضَتْ حِكمتُه ورَحمتُه بعدَمِ دُخولِه النَّارَ، وهو أقرَبُ إلى اللَّفظِ العامِّ هنا، وأتَمُّ في البُشرى.
ولَمَّا كان لكلِّ مُكلَّفٍ مَقعدٌ من الجنَّةِ ومَقعدٌ من النَّارِ، فمَن آمَنَ حقَّ الإيمانِ بُدِّلَ مُقعدُه من النَّارِ بمَقعدٍ من الجنَّةِ، ومَن لم يُؤْمِنْ فبالعكسِ؛ كانتِ الكَفرةُ كالخلَفِ للمُؤمنينَ في مقاعِدِهم من النَّارِ وأيضًا لَمَّا سبَقَ القسَمُ الإلهيُّ بمَلْءِ جهنَّمَ، كان مَلْؤُها من الكُفَّارِ خَلاصًا للمُؤمنينَ ونجاةً لهم من النَّارِ، فهم في ذلك للمُؤمنينَ كالفِداءِ والفَكاكِ.
فإنْ قيل: هذا يَقْضي بأنَّ عذابَ الكافرِ لنَجاةِ المُؤمِنِ، وحمْلِ وزْرِه عليه، وهو خلافُ الثَّابتِ مِن عدْلِ اللهِ وإخبارِه {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]. قيل: يَحْتَمِلُ أنَّ هؤلاء مِن الكفَّارِ الَّذين آذَوُا المُؤمنينَ وسَبُّوهم وحاربوهم، فطُرِحَ عليهم من ذُنوبِ المُؤمنينَ ما كان عليهم. وقيل: المُرادُ بالفِداءِ: أنْ ينزِلَ الكافِرُ في النَّارِ في المنازلِ الَّتي كانت مُعدَّةً لعُصاةِ المُؤمنينَ لو كانوا مِن أهلِها. ويَحْتَمِلُ أنَّ المُرادَ: خُذْ هذا الكافرَ، فألْقِه في النَّارِ؛ فإنَّ إلقاءَك له فيها فَكاكٌ لك منها ومِن عَذابِها؛ بأنْ يُجْعَلَ عُقوبةُ المُؤمنِ نَفْسَ إلقائِه الكافرَ في النَّارِ، أو خُذْهُ ليقبِضَه الزَّبانيةُ، وفيه شِفاءُ صُدورِ المُؤمنينَ من أعدائِهم بإلقائِهم في العذابِ الدَّائمِ.
وفي الحديثِ: بيانُ فضلِ اللهِ وعظيمِ رَحمتِه بأُمَّةِ الإسلامِ.