- لم يكذبْ إبراهيمُ إلَّا ثلاثَ كذباتٍ : ثنتينِ منهنَّ في ذاتِ اللهِ ، قولُهُ : إِنَّي سَقيمٌ ، وقولُهُ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا وبينما هو ذاتَ يومٍ وسارَّةَ ، إذ أتى على جبارٍ منَ الجبابرةِ ، فقيلَ له : إِنَّ ها هنا رجلًا معه امرأةٌ منْ أحسَنِ الناسِ ، فأرسَلَ إليه ، فسألَهُ عنها ، فقال : من هذِه ؟ قال : أُخْتي ، فأَتَى سارَّةَ ، فقال : يا سارَّةُ ليس على وجْهِ الأرضِ مؤمنٌ غيري وغيرُكِ ، وإِنَّ هذا سألَني ، فأخبرتُه أنكِ أختي ، فلا تُكَذِّبِيني ، فأرْسَل إليها ، فلما دَخَلَتْ عليْه ذهب يتناولُها بيدِهِ ، فأُخِذَ ، فقال : ادْعِي اللهَ لِي ، ولا أَضَرُّكِ ، فدعَتِ اللهَ ، فأُطْلِقَ ، ثُمَّ تَنَاوَلَها ثانيةً فأُخِذَ مثلَها ، أوْ أشدَّ ، فقال : ادعي اللهَ لي ، ولا أَضُرُّكِ ، فدَعَتِ ، فأُطْلِقَ ، فدعا بعضَ حجَبَتِهِ ، فقال : إِنَّكَ لم تأْتِني بإِنسانٍ ! إِنَّما أتَيْتَني بشيطانٍ ! فأخدَمها هاجرَ ، فأتَتْهُ وهو قائِمٌ يُصَلِّي ، فأوْمَا بيدِهِ مَهْيَا ؟ قالَتْ : ردَّ اللهُ كيدَ الفاجِرِ في نحرِهِ ، وأخدَمَ هاجرَ
الراوي : أبو هريرة | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع
الصفحة أو الرقم: 5202 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
التخريج : أخرجه البخاري (3358)، ومسلم (2371) باختلاف يسير.
التخريج : أخرجه البخاري (3358) واللفظ له، ومسلم (2371)
وأمَّا الثانيةُ: فعِندما حطَّمَ الأَصنامَ ورَجعوا واتَّهموهُ بِهذا الفعلِ فقالَ: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} أرادَ أنَّهُ سببٌ في الفِعلِ لا هُو الفاعلُ نفسُه؛ لأنَّهُ لَمَّا وَجدَها مُتراصَّةً حوْلَهُ تَعظيمًا لهُ حطَّمها كلَّها إِمْعانًا في إذْلالِهِ؛ وقد قال ذلك ليُعمِلوا عقولَهم فيَعرِفوا أنَّها أحجارٌ لا تستطيعُ فِعلَ شيءٍ.
وأمَّا الثالِثةُ: فعِندما قدِمَ هُوَ وزَوجَتُه سارَّةُ أرضًا كانَ يحكُمُها جبَّارٌ مِن الجَبابِرةِ، فقيلَ لهذا الجَبَّارِ: إنَّ في أَرضِكَ رجُلًا معَ امرأةٍ مِن أحسنِ النَّاسِ، أي: مِن أَجمَلِهمْ؛ فأَرسلَ إلى إِبراهيمَ فَسألَه عنْها؛ فَقالَ: إنَّها أُخْتي، أرادَ أنَّها أُختُه في اللهِ وفي الدِّينِ والإِسلامِ؛ إذْ لوْ قَالَ زَوجتي، لَقَتلَهُ الفاجِرُ ليَتخَلَّصَ مِنه، وقيلَ: لأَلزَمَه بِطلاقِها، ثمَّ رجَعَ إِبراهيمُ إلى زَوْجتِهِ، فَقالَ لها: إنَّهُ ليسَ على وَجهِ الأَرضِ مُؤمنٌ غَيري وغَيرُكِ، أي: الأرضُ التي هُمْ بِها، ثم قالَ لَها وقدْ سأَلني هَذا الجبَّارُ فأَخبَرْتُه أنَّكِ أُختي، فلا تُكَذِّبيني فتقُولي هُو زَوجي، فأَرسلَ إِليها هذا الجبَّارُ فلمَّا دَخلتْ عَليهِ ورأَى حُسْنَها غلبَه الميلُ إليها فذَهَبَ يُمسِكُها بيدِهِ، (فأُخِذَ) أي: اختَنقَ حتَّى ركَضَ بِرِجلِه كأنَّهُ مَصروعٌ، فقالَ لها: ادْعي اللهَ لي وَلا أضُرُّكِ، فدَعتِ اللهَ فقَالَ: اللهُمَّ إنْ يَمُتْ يَقولوا: هيَ التي قَتلَتْه، فاستجابَ اللهُ لها فعادَ سليمًا، غيرَ أنَّه غَلَبتْه شَهوتُه، فَحاوَلَ أنْ يَتَناوَلها ثانِيةً، فأُخِذَ أشدَّ مِن المرَّةِ الأُولى، فقالَ: ادْعي اللهَ لي وَلا أضُرُّكِ، فدَعتْ فأُطلِقَ، فلمَّا يَئِسَ منها دَعا بعضَ حجَبتِهِ وخدَمِهِ فقالَ: (إنَّكمْ لَمْ تَأْتوني بإِنسانٍ، إنَّما أَتَيْتمُوني بِشَيطانٍ)! حيثُ لم أَقدِرْ عَليها بلْ تَصرعُني كلَّما اقْتربتُ مِنها، ثمَّ لَمَّا رَأى مِنها ذلكَ أَعْطاها هاجَرَ خادِمةً لها، فَرَجعت سارَّةُ إلى إِبراهيمَ فوَجدَتْهُ يُصلِّي، (فأَوْمأَ بِيدِهِ)، أيْ: أَشارَ إِليها (مَهْيا)؛ أي ما شَأنُكِ وحالُكِ معَه؟ فقالتْ: ردَّ اللهُ كيدَ الكافرِ، أو الفاجِرِ، في نَحرِهِ، فلمْ يَصِلْ إليَّ بِشيءٍ، وأَخدَمَ هاجَرَ.
وقولُه: (تِلكَ أمُّكُمْ يا بَني ماءِ السَّماءِ)، "ماءُ السَّماءِ": أرادَ بِهمُ العَربَ؛ لأنَّهم يَعيشونَ بالمَطرِ ويتَّبِعونَ مواقعَ القَطرِ في البَوادي لأَجلِ المواشي، والمرادُ: فتِلكَ المرأةُ التي هيَ هاجرُ هيَ أمُّكمْ أيُّها العربُ.
وفي هذا الحديثِ: إجابةُ الدُّعاءِ بإِخلاصِ النيَّةِ، وبيانُ حِفظِ اللهِ لِعبادِهِ الصَّالحينَ.
وفيه: أنَّ في المعاريضِ نَجاةً مِن الوُقوعِ في الكَذبِ.