الموسوعة الحديثية


- في قولِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ : مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا . قالَ: اللِّينةُ النَّخلةُ، وليُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ قالَ: استنزَلوهم من حصونِهِم، قالَ: وأمروا بقطعِ النَّخلِ فحَكَّ في صدروهم . فقالَ المسلِمونَ: قد قطَعنا بعضًا وترَكْنا بعضًا، فلنسألنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ هل لَنا فيما قطَعنا من أجرٍ؟ وَهَل علَينا فيما ترَكْنا من وزرٍ؟ فأنزلَ اللَّهُ: مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا الآيةَ
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترمذي | الصفحة أو الرقم : 3303 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح | التخريج : أخرجه الترمذي (3303) واللفظ له، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (8610)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (587) باختلاف يسير
كان الصَّحابةُ رِضْوانُ اللهِ عَليهم إذا أهَمَّهم شَيءٌ أو جَدَّ عليهم أمرٌ لجَؤوا إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فيَسْأَلونه فيُفْتيهم ويُريحُ قُلوبَهم.
وفي هذا الحديثِ يقولُ الصَّحابيُّ الجليلُ عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ في تفسيرَ قولِه تعالى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا} [الحشر: 5]، "قال"، أي: ابنُ عبَّاسٍ: اللِّينةُ: النَّخلةُ، {وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ}، أي: لِيُذِلَّ اللهُ اليهودَ ويُخزِيَهم ويَغيظَهم بقَطْعِ نخلِهم وإحراقِه، وهم يَهودُ بَني النَّضيرِ، "قال"، أي: ابنُ عبَّاسٍ: "استَنزَلوهم مِن حُصونهم"، أي: إنَّ المسلِمين لَمَّا حاصَروا يَهودَ بَني النَّضيرِ ألجَؤوهم إلى حُصونهم واضطرُّوهم إليها، "قال: وأُمِروا بقطعِ النَّخلِ"، أي: قال ابنُ عبَّاسٍ: وأمَرهم اللهُ بقَطعِ نَخلِ بَني النَّضيرِ وإحراقِه؛ حتَّى يَغيظوهم، "فحَكَّ في صُدورِهم"، أي: شكُّوا في أمْرِ قَطْعِ النَّخلِ وإحراقِه؛ هل هو صوابٌ أم خطَأٌ، وظنُّوا أنَّهم ارتَكَبوا ذنبًا، "فقال المسلِمون: قد قطَعْنا بعضًا وترَكْنَا بعضًا"، أي: قال المسلِمون: قد قطَعْنا بَعضَ النَّخلِ وترَكْنا بعضَه؛ لأنَّه حاك في صَدرِنا منه شيءٌ، واستَعظَمْنا قطْعَه كلَّه؛ "فلَنَسأَلنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: هل لنا فيما قطَعْنا مِن أجرٍ؟ وهل علَينا فيما ترَكْنا مِن وِزْرٍ؟"، أي: سوفَ نذْهَبُ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، ونَسْألُه عنْ أمْرِ قَطْعِ النَّخلِ وإحراقِه: هلْ لنا أجرٌ وثوابٌ فيما قطَعْنا مِنْ نخلٍ ونفَّذْنا ما أمرَنا اللهُ به؟ وهَلْ علينا فيما ترَكْنا مِنْ نخْلٍ وزْرٌ؛ حيثُ إنَّنا خالَفْنا أمْرَ اللهِ بالقَطْعِ فترَكْنا بعضَ النَّخلِ؛ لأنَّنا استعْظَمْنا قطْعَ النَّخلِ كلِّه؟ "فأنزَل اللهُ: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا} [الحشر: 5]، الآيةَ"، أي: فسَأَلوا رسولَ اللهِ عن ذلك، فأنزَل اللهُ الإجابةَ على رَسولِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وحْيًا وقُرآنًا يُتْلى إلى يَومِ القيامةِ، فقال: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} [الحشر: 5]، ومعناه: أنَّكم- يا أصحابَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم- ما قطَعْتم مِن نَخلةٍ أو شَجرةٍ فأزَلتُموها وأبَّدتُموها أو ترَكتُموها كما هي؛ فكلُّ ذلك قدْ أَذِن اللهُ لكم فيه، ولكم فيه كلِّه أجرٌ سواءٌ قطَعتُم أو ترَكتُم.
وفي الحَديثِ: أنَّ الأمورَ كلَّها تَجريِ بتقديرِ اللهِ كما كتَبَها في اللَّوحِ المحفوظِ.
وفيه: توقُّفُ الصحابةِ رضِيَ اللهُ عنه وتَحرُّزُهم وسؤالُهم للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم عمَّا اخَتَلج في صُدورِهم؛ ليبيِّن لهم.