التَّشريعُ حقٌّ مِن حُقوقِ اللهِ تعالى، لا يُنازِعُه فيه أحَدٌ؛ فليس لأحدٍ أن يَقولَ بحِلِّ شيءٍ أو تَحريمِه دُون دَليلٍ مِن كتابٍ أو سُنَّةٍ صحيحةٍ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ ابنُ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنهما: أنَّ رجلًا أتى النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فقال: "يا رسولَ اللهِ، إنِّي إذا أصَبتُ اللَّحمَ"، أي: أكَلتُ، وطَعِمتُ مِن اللَّحمِ، "انتشَرتُ للنِّساءِ"، أي: انبسَطتُ للنِّساءِ، "وأخَذَتْني شَهوتي"، أي: تَملَّكَتْني الشَّهوةُ، وهي شهوةُ الجِماعِ، "فحرَّمتُ علَيَّ اللَّحمَ"، أي: منَعتُ نفْسي عن أكلِه؛ لِمَا يُصيبُني مِن شدَّةِ الشَّهوةِ بعدَ أكلِه، فأنزَل اللهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}، نداءٌ للمؤمِنين، {لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ}، أي: لا تَجعَلوا ما طاب ولَذَّ ممَّا أحلَّه اللهُ لكم حَرامًا، وتَمتنِعوا عن أكلِه وشربِه، {وَلَا تَعْتَدُوا}، أي: لا تتَجاوَزوا حدَّ اللهِ فيما أحَلَّ وما حرَّمه، فتَكونوا مُخالِفين له؛ {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}
[المائدة: 87] ، أي: إنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَن يكونُ مُعتدِيًا عن حَدِّه الَّذي حَدَّه لخَلقِه، {وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا}
[المائدة: 88] ، أي: كُلوا ممَّا ساقَه إليكُم مِن رِزقٍ مِن حُبوبٍ ولُحومٍ، ممَّا أحَلَّ لكم حلالًا طيِّبًا.
وقد أوضَح اللهُ في آيةٍ أخرى أنَّ الاقتِصادَ والتَّوسُّطَ وعدَمَ الإسرافِ في الأكْلِ والشُّربِ هو السَّبيلُ الأفضلُ لِبَني آدَمَ، فقال: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا}
[الأعراف: 31] .
وفي الحديثِ: مُراعاةُ التَّشريعِ لِمَا فيه مَصلحةٌ للمُكلَّفين.
وفيه: الحَثُّ على الاقتِصادِ والتَّوسُّطِ في المباحاتِ مِن الأكلِ والشُّربِ وعَدمِ الإسرافِ فيها.