- كانَ رسولُ اللَّهِ يقولُ في خُطبتِهِ ، يحمدُ اللَّهَ ويثني عليْهِ بما هوَ أَهلُهُ ثمَّ يقولُ من يَهدِهِ اللَّهُ فلا مضلَّ لَهُ ومن يضللْهُ فلا هاديَ لَهُ إنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ اللَّهِ ، وأحسنَ الْهديِ هديُ محمَّدٍ وشرَّ الأمورِ محدثاتُها وَكلَّ محدثةٍ بدعةٌ وَكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ وَكلَّ ضلالةٍ في النَّارِ ثمَّ يقولُ بُعثتُ أنا والسَّاعةُ كَهاتين وَكانَ إذا ذَكرَ السَّاعةَ احمرَّت وجنتاهُ وعلا صوتُهُ واشتدَّ غضبُهُ كأنَّهُ نذيرُ جيشٍ يقولُ صبَّحَكم مسَّاكُم ثمَّ قالَ من ترَكَ مالًا فلأَهلِهِ ومن ترَكَ دَينًا أو ضَياعًا فإليَّ أو عليَّ وأنا أولى بالمؤمنينَ
الراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح النسائي
الصفحة أو الرقم: 1577 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
التخريج : أخرجه مسلم (867)، والنسائي (1578) واللفظ له، وأحمد (14984)
وأشارَ هذا الحَديثُ إلى ما كانَ يَفعلُه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ "فكانَ إذا خطَبَ احمرَّتْ عَيناهُ، وعَلا صَوتُهُ، واشتدَّ غضَبُه"، وهذا يَعني أنَّه كانَ يتفاعَلُ مع مَوضوعِ الخُطبَةِ فيَحدُثُ له هذا، "حتَّى كأنَّه مُنذِرُ جَيشٍ"، ومُنذِزُ الجَيشِ هو: مَن يُراقِبُ العدوَّ ويُخبِرُ النَّاسَ، بأَحوالِه ليَستعِدُّوا، فكانتْ عِظَةُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم على هذه الصُّورَةِ، وذلكَ من حرصِه على النَّاس، وإنذارِهِم مِنَ الآخرَةِ وعدمِ الاستِعداد لها، فكأنَّه يُحذِّرُهم مِن ظُهورِ جَيشٍ عادٍ علَيهِم يأتي إلَيهِم صَباحًا أو مَساءً، ويقولُ: ((بُعِثتُ أنا والسَّاعةُ كهاتَينِ، ويَقْرِنُ بينَ إصبعَيهِ السَّبَّابة والوُسْطى))، فهوَ آخرُ الأَنبياءِ بينَ يدَي السَّاعَةِ، ولذا فهوَ مِن عَلاماتِ قُربِ السَّاعَةِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فلم يبْقَ بعدَ بعثتِه إلا وقتٌ أقلُّ ممَّا مَضى على قيامِ السَّاعَةِ.
أمَّا عندَ بِدايَةِ الخُطبَةِ فكانَ يَقولُ: ((أمَّا بعدُ؛ فإنَّ خيرَ الحَديثِ كتابُ اللهِ)) فما مِن كَلامٍ إلا وكَلامُ اللهِ خيرٌ منهُ، وكلامُ اللهِ هوَ القُرآنُ الكَريمُ، ((وخيرَ الهدْيِ هَدْيُ مُحمَّدٍ))، والهدْيُ هوَ السِّيرَةُ والسَّمتُ، فما مِن اتِّباعِ طَريقٍ وسَبيلٍ إلا وطَريقُ النَّبيِّ خيرٌ مِنهُ، فيَجبُ اتِّباعُ طريقِه وسيرتِه وسَمتِه، ((وشرَّ الأُمورِ مُحدَثاتُها، وكلَّ بِدعَةٍ ضَلالةٌ))، أي: وكلَّ اختراعٍ في الدِّينِ مِن كيفيَّةٍ لم يَفعلْها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأصحابُه، فهيَ ضَلالٌ ومَيلٌ وبعْدٌ عن طَريقِ النَّبيِّ وليسَتْ مِن الهُدى والرَّشادِ الذي جاءَ بِهِ، ثمَّ يَقولُ: ((أنا أَولى بكلِّ مُؤمِنٍ مِن نَفسِه))، أي: أنا أَولى بهِ مِن نفسِه في رعايتِه وهِدايَتِه، ((مَن ترَكَ مالاً فلأَهلِه، ومَن ترَكَ دَينًا أو ضياعًا))؛ مِن أَطفال وأناس يعولُهم، ((فإليَّ وعليَّ))، فهو صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقضي عنهُ ذلكَ الدَّينَ ويَرعى مَن يَعولُ، وهذا مِن حسْنِ أَخلاقِ النَّبيِّ ومُؤازرتِه للمُسلِمينَ وحرصِه على عدَمِ ضَياعِهم.
وفي روايَةٍ: كانتْ خطبَةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومَ الجُمُعَةِ "يَحمدُ اللهَ ويُثني علَيهِ"، فكأنَّه يَعني الحمْدَ والثَّناءَ الذي يَذكُرُه في خطبَةِ الحاجَةِ التي علَّمها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأَصحابِه، وهيَ أن يقولَ: ((إنَّ الحمدَ للهِ، نَحمَدُه ونَستعينُه، مَن يَهدِهِ اللهُ فلا مُضلَّ لهُ، ومَن يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهَدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأنَّ مُحمَّدًا عبدُهُ ورَسولُهُ)).
وهذا الحَمدُ والثَّناءُ يصحُّ في بدايَةِ كلِّ خطبَةٍ.
ثمَّ يقولُ على إثْرِ ذلكَ، وقد عَلا صوتُه، ثمَّ ساقَ الحَديثَ "بمثْلِهِ" يَعني: بما مرَّ وتمَّ شَرحُه.
وفي الحَديثِ: الحثُّ على اتِّباعِ هدْي النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الخُطبَةِ.
وفيه: تَنبيهُ الخَطيبِ إلى التفاعُلِ معَ الخُطبَةِ للتَّأثير في النَّاس.
وفيه: البِدايَةُ بالحَمدِ والثَّناءِ على اللهِ في الخُطبَةِ.