الموسوعة الحديثية


- أنَّ كفَّارَ قُرَيْشٍ كتبوا إلى ابنِ أبيٍّ، ومن كانَ يعبُدُ معَهُ الأوثانَ منَ الأوسِ والخزرجِ، ورسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يومئذٍ بالمدينةِ قبلَ وقعةِ بدرٍ: إنَّكم آويتُمْ صاحبَنا، وإنَّا نُقسِمُ باللَّهِ لتقاتلُنَّهُ، أو لتخرجُنَّ أو لنَسيرنَّ إليكم بأجمعِنا حتَّى نقتلَ مقاتلتَكُم، ونَستبيحَ نساءَكُم، فلمَّا بلغَ ذلِكَ عبدَ اللَّهِ بنَ أبيٍّ ومن كانَ معَهُ من عبدةِ الأوثانِ، اجتَمعوا لقتالِ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، فلمَّا بلغَ ذلِكَ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ لقيَهُم، فقالَ: لقد بلغَ وعيدُ قُرَيْشٍ منكمُ المبالغَ، ما كانت تَكيدُكُم بأَكْثرَ مِمَّا تريدونَ أن تَكيدوا بِهِ أنفسَكُم، تريدونَ أن تقاتلوا أبناءَكُم، وإخوانَكُم فلمَّا سمِعوا ذلِكَ منَ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ تفرَّقوا، فبلغَ ذلِكَ كفَّارَ قُرَيْشٍ، فَكَتبت كفَّارُ قُرَيْشٍ بعدَ وقعةِ بدرٍ إلى اليَهودِ: إنَّكم أَهْلُ الحَلقةِ والحصونِ، وإنَّكم لتُقاتلنَّ صاحبَنا، أو لنفعلنَّ كذا وَكَذا، ولا يحولُ بينَنا وبينَ خِدَمِ نسائِكُم شيءٌ، وَهيَ الخلاخيلُ، فلمَّا بلغَ كتابُهُمُ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، أجمعت بنو النَّضيرِ بالغدرِ، فأرسَلوا إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ: اخرُج إلينا في ثلاثينَ رجلًا من أصحابِكَ، وليخرج منَّا ثلاثونَ حَبرًا، حتَّى نلتقيَ بمَكانِ المنصفِ فيسمَعوا منكَ، فإن صدَّقوكَ وآمنوا بِكَ آمنَّا بِكَ، فقصَّ خبرَهُم، فلمَّا كانَ الغدُ، غَدا عليهم رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ بالكتائبِ فحَصرَهُم، فقالَ لَهُم: إنَّكم واللَّهِ لا تأمَنونَ عندي إلَّا بعَهْدٍ تعاهدوني عليه، فأبوا أن يُعطوهُ عَهْدًا، فقاتلَهُم يومَهُم ذلِكَ، ثمَّ غدا الغدُ على بَني قُرَيْظةَ بالكتائبِ، وترَكَ بَني النَّضيرِ ودعاهم إلى أن يعاهِدوهُ، فعاهدوهُ، فانصَرفَ عنهم، وغدا على بَني النَّضيرِ بالكتائبِ، فقاتلَهُم حتَّى نزلوا على الجَلاءِ، فجلَت بنو النَّضيرِ، واحتَملوا ما أقلَّتِ الإبلُ من أمتعتِهِم، وأبوابِ بيوتِهِم، وخَشبِها، فَكانَ نخلُ بَني النَّضيرِ لرسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ خاصَّةً، أعطاهُ اللَّهُ إيَّاها وخصَّهُ بِها، فقالَ: وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ يقولُ: بِغيرِ قتالٍ، فأعطى النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ أَكْثرَها للمُهاجرينَ، وقسمَها بينَهُم وقسمَ منها لرجُلَيْنِ منَ الأنصارِ، وَكانا ذوي حاجةٍ لم يَقسِمْ لأحدٍ منَ الأنصارِ غيرِهِما، وبقيَ منها صدقةُ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ الَّتي في أيدي بَني فاطمةَ
الراوي : رجل من الصحابة | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح أبي داود | الصفحة أو الرقم : 3004 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح
كان المنافِقون يَكيدونَ للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ودَعوتِه، وقد ظهَرَ النِّفاقُ والغَدْرُ بصورةٍ واضحةٍ بعْدَ غزوةِ بَدْرٍ، وخاصَّةً من يَهودِ المدينةِ، وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أحدُ أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أنَّ كفَّارَ قريشٍ كتبوا إلى ابنِ أُبَيٍّ، أي: أرسَلوا كتابًا إلى عبدِ اللهِ بنِ أُبَيٍّ ابنِ سَلولَ، وكان من كبارِ المنافقين بالمدينةِ، ومَنْ كان يعبُدُ معه الأوثانَ مِنَ الأوْسِ والخَزْرَجِ، أي: إنَّهم كانوا من عَرَبِ المدينةِ إلَّا أنَّهم كانوا من عبَدَةِ الأوثانِ والأحجارِ والأصنامِ، ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومئذٍ بالمدينةِ قبْلَ وقْعَةِ بدرٍ، وقالوا في كتابِهم: "إنَّكم آويْتُم صاحبَنا"، أي: أنزلتموه في منازِلِكم، والمرادُ به: النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وإنَّا نُقْسِمُ بالله لَتُقَاتِلُنَّهُ، وهذا حَثٌّ للمنافقين على قتالِ النَّبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، أو لَتُخْرِجُنَّه، أي: تُخرِجونَه من مدينتِكم، أو لَنَسِيرَنَّ إليكم بأجْمَعِنا حتَّى نقْتُلَ مُقاتِلَتَكم، ونَستبيحَ، أي: نَسْبيَ نِساءَكم، فلمَّا بلَغَ ذلك عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ ومَنْ كان معه من عبَدَةِ الأوثانِ، اجتمعوا لقتالِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
فلمَّا بلَغَ ذلك النَّبيَّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، أي: ما كَتَبَتْ قريشٌ لابنِ أُبَيٍّ ومَنْ معه، لَقِيَهُمْ، فقال: لقدْ بلَغَ وعيدُ قريشٍ منكم المَبالِغَ، أي: إنَّ وعيدَ قريشٍ لكم بلَغَ في نُفوسِكم غايةَ ما تُريدُ قريشٌ، ما كانت تَكيدُكم، أي: ما كانت ستَضُرُّكُمْ وتقتُلُ منكم، بأكثرَ ممَّا تُريدونَ أنْ تَكيدوا به أنفُسَكم، أي: بأكثرَ ممَّا ستضُرُّونَ به أنفسَكم إنْ قاتلْتُم بعضَكم، تُريدونَ أنْ تُقاتِلوا أبناءَكم وإخوانَكم؟! فلمَّا سمِعوا ذلك مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تفرقَّوا، أي: عَنِ القتالِ، "فبلَغَ ذلك كفَّارَ قريشٍ"، أي: فعَلِموا ذلك، فكَتَبَتْ كفَّارُ قريشٍ بعْدَ وقْعَةِ بدرٍ إلى اليهودِ، أي: يَهودِ المدينةِ الَّذين كانوا في عهْدٍ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومنهم يهودُ بني النَّضيرِ وقُرَيْظَةَ: إنَّكم أهلُ الحَلْقةِ والحُصونِ، أي: أهلُ السِّلاحِ، وقيل: أهلُ الدُّروعِ والحُصونِ الَّتي لا يَقْدِرُ معها أحدٌ على غَزْوِكم، وهو ثناءٌ من قريشٍ عليهم؛ لِيُحفِّزوهم إلى ما يُريدونَ، وإنَّكم لَتُقَاتِلُنَّ صاحِبَنا، أي: تُقاتِلونَ مُحَمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ومَنْ معه، أو لَنَفْعَلَنَّ كذا وكذا، وهذا وعيدٌ من قريشٍ أنَّهم سيُقاتِلونَهم إنْ لم يُلَبُّوا لهم ما يُريدونَ، ولا يَحُولُ بيننا وبين خَدَمِ نسائِكم شيءٌ، وهي الخَلاخيلُ، وهذه إشارةٌ لعِظَمِ ما ستفعله قريشٌ بهم.
فلمَّا بلَغَ كتابُهم النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أي: فلمَّا عرَفَ به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أجمعَتْ بنو النَّضيرِ بالغَدْرِ، أي: إنَّهم سيَقتُلونَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم غدْرًا؛ فأرسَلوا إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: اخْرُجْ إلينا في ثلاثين رجُلًا من أصحابِك، وَلْيَخْرُجْ منَّا ثلاثونَ حَبْرًا، أي: عالِمًا، حتَّى نلتقيَ بمكانِ المَنْصَفِ، أي: مكانًا وَسَطًا؛ فيَسمعوا منك، فإنْ صدَّقوك وآمَنوا بك آمَنَّا بك، فقصَّ خَبَرَهم، أي: عَلِمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّهم يَقصِدونَ الغَدْرَ، فلمَّا كان الغَدُ، أي: صباحُ اليومِ التَّالي، غَدا عليهم، أي: سارَ إليهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالكتائِبِ، أي: بالجيشِ، و"الكتيبةُ": القِطعةُ مِنَ الجيشِ، فحَصَرَهم، أي: أحاطَ بحُصونِهم، فقال لهم: إنَّكم واللهِ لا تَأْمَنُونَ عِندي إلَّا بعَهْدٍ تُعاهِدونني عليه، أي: لا يكون لكم أَمانٌ حتَّى تُعاهِدوني عهْدًا، فأَبَوْا، أي: امْتَنَعوا، أنْ يُعْطوه عهْدًا، فقاتَلَهم يَوْمَهم ذلك، أي: فجعَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُقاتِلُهم في ذلك اليومِ، ثمَّ غدا الغَدَ، أي: ثمَّ سارَ في صباحِ اليومِ التَّالي، على بني قُرَيْظَةَ بالكتائِبِ، أي: بالجيشِ، وترَكَ بني النَّضيرِ، أي: وترَكَ حِصارَه لهم، ودَعاهم، أي: بني قُرَيْظَةَ، إلى أنْ يُعاهِدوه، فعاهَدوه، فانصرَفَ عنهم، أي: ولم يُقاتِلْهم، وغدا على بني النَّضيرِ بالكتائبِ، أي: ثمَّ رجَعَ إلى بني النَّضيرِ بالجيشِ، فقاتَلَهم حتَّى نَزَلوا على الجَلاءِ، أي: على أنْ يتركوا منازِلَهم ويَخرُجوا منها، فَجَلَتْ بنو النَّضيرِ، أي: خرَجوا مِن بُيوتِهم، واحتَمَلوا ما أَقَلَّتِ الإبِلُ مِن أمتِعَتِهم وأبوابِ بُيوتِهم وخشبِها، أي: وكان لهم في جَلائِهم أنْ يأخُذوا الإبلَ وما قَدَرَتْ على حَمْلِه، فكان نَخْلُ بني النَّضيرِ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خاصَّةً؛ وذلك لِأنَّها مِنَ الفَيْءِ الَّذي، أعطاه اللهُ إياَّها وخصَّه بها، فقال تعالى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6]، يقول: بغيرِ قِتالٍ، فأَعْطى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أكثرَها للمُهاجرينَ، أي: أكثَرَ النَّخيلِ الَّتي أخَذَها من بني النَّضيرِ، وقَسَمَها بينهم، وقَسَمَ، أي: وأَعْطى منها، لرجلَيْنِ مِنَ الأنصارِ، وكانا ذوي حاجةٍ، أي: إمَّا لفقرٍ أو مرضٍ، لم يَقْسِمْ لأحدٍ مِنَ الأنصارِ غيرِهما، وبَقِيَ منها، أي: وما بَقِيَ من قِسْمَتِه لأصحابِه كان، "صدقةُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الَّتي في أَيْدي بني فاطمةَ" ابنةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفي الحديث: أخذ الحذر من الأعداء وخاصة في حال الحرب.
وفيه: بيان صفة الغدر الدائمة في اليهود ووجوب الحيطة منهم.
وفيه: أن سهم النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من الغنائم من بعده ينفق في مصالح أهله ومصالح المسلمين..