هذا الحديثُ يُبيِّنُ فيه النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أحكامَ كفَّارةِ الظِّهارِ، حيث تقولُ خُوَيْلَةُ بنتُ مالِكِ بنِ ثَعْلَبَةَ رضِيَ اللهُ عنها: "ظَاهَرَ منِّي زَوْجِي أَوْسُ بنُ الصَّامِتِ"، أي: قال لها: أنتِ عليَّ كَظَهرِ أُمِّي، وكان هذا القولُ قبلَ الإسلامِ طلاقًا، ولم يَعُدَّه الإسلامُ طلاقًا، بل جعَل فيه الكفَّارةَ، تقولُ خُوَيْلَةُ: "فجِئتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أَشكُو إليه"، أي: ما كان مِن ظِهارِ أَوْسٍ لها، "ورسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُجادِلُني فيه"، أي: يَنصَحُها ويَعِظُها، "ويقولُ: اتَّقِي اللهَ؛ فإنَّه ابنُ عَمِّكِ"، تقولُ خُوَيْلَةُ: "فما بَرِحْتُ"، أي: لم أَنصَرِفْ مِن عندِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم "حتَّى نزَل القُرآنُ"، أي: بقولِه تعالى: "{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا}
[المجادلة: 1] إلى الفَرْضِ"، أي: إلى ما فرَض الله تعالى مِن الكفَّارةِ في قولِه تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}
[المجادلة: 3] وما بعدَها، فقال النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "يُعتِقُ رَقَبَةً"، أي: إنَّ كفَّارةَ ذلك أن يُحرِّرَ زوجُها الذي ظاهَرَ منها عبدًا أو أَمَةً، قالت خُوَيْلَةُ: "لا يَجِدُ"، أي: ليس عندَه رَقَبَةٌ يُحرِّرها، ولا مالٌ يَملِكه يَقدِرُ به على شراءِ رقبةٍ، قال النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "فيَصُوم شهرَيْن مُتَتابِعَيْنِ"، أي: لا يَفصِل بينَ الشَّهرَيْنِ بأيَّامِ فِطْرٍ لغيرِ عُذرٍ، قالت خُوَيْلة: "يا رسولَ الله، إنَّه شيخٌ كبيرٌ، ما بِه مِن صيامٍ"، أي: لا يَقدِر على صيامِ الشَّهرَيْنِ، قال النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسكينًا"، قالت خُوَيْلَةُ: "ما عِندَه مِن شيءٍ يتصدَّق به"، أي: ليس عندَه مِن المالِ الَّذِي يستطيعُ أن يتصدَّقَ به على هذا العددِ.
قالت خُوَيْلة: "فأُتِيَ"، أي: فَجِيءَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأُحْضِرَ له "ساعَتَئِذٍ"، أي: حين بيَّنَتْ له عَجْزَ زوجِها عن أداءِ الكفَّاراتِ الثلاثِ "بِعَرَقٍ" وهو مِكْيالٌ أو وِعاءٌ؛ قِيلَ: قَدْرُه سِتُّون صاعًا، "مِن تَمْرٍ"، قالت خُوَيْلَةُ: "يا رسولَ الله، فإنِّي أُعِينُه"، أي: مِن مالِي "بِعَرَقٍ آخَرَ"، أي: مِن التَّمرِ، قال لها النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "قد أَحْسَنتِ"، أي: بإعانتِك إيَّاه بعَرَق آخرَ، "اذْهَبِي فأَطعِمِي بها عنه سِتِّينَ مِسكينًا، وارْجِعِي إلى ابنِ عَمِّكِ"، أي: زَوْجِك.
قال أحدُ الرُّواةِ: "والعَرَقُ: سِتُّونَ صاعًا". وقِيلَ: إنَّ المشهورَ في العَرَقِ أنَّه مِكْتَلٌ يَسَعُ خمسةَ عَشَرَ صاعًا.
وفي الحديثِ: الحثُّ على التَّأليفِ بينَ الزَّوجَيْنِ، وتقديمُ المساعدةِ والعَوْنِ الَّذِي يُحافِظ على تَماسُكِ الزَّواجِ.
وفيه: إعانةُ المرأةِ لزوجِها على ما عَجِز عنه مِن الكفَّاراتِ.