الموسوعة الحديثية


- كان في بني إسرائيلَ القصاصُ ، ولم تكن فيهم الديةُ ، فأنزل اللهُ عز وجل: كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى . إلى قولِه: فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان . فالعفو أن يقبلَ الدِّيةَ في العمد. واتباعٌ بمعروفٍ ، يقولُ: يتَّبِعُ هذا بالمعروفِ. وأداءٌ إليه بإحسانٍ ويؤدي هذا بإحسانٍ ذلك (تخفيف من ربكم ورحمة) مما كُتِبَ على من كان قبلكم، إنما هو القصاصُ ليس الدِّيةَ.
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح النسائي | الصفحة أو الرقم : 4795 | خلاصة حكم المحدث : صحيح

 سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْهمَا يقولُ: كانَ في بَنِي إسْرَائِيلَ القِصَاصُ، ولَمْ تَكُنْ فِيهِمُ الدِّيَةُ، فَقالَ اللَّهُ تَعَالَى لِهذِه الأُمَّةِ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178]، فَالعَفْوُ أنْ يَقْبَلَ الدِّيَةَ في العَمْدِ، {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} يَتَّبِعُ بالمَعروفِ ويُؤَدِّي بإحْسَانٍ، {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} ممَّا كُتِبَ علَى مَن كانَ قَبْلَكُمْ، {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} قَتَلَ بَعْدَ قَبُولِ الدِّيَةِ.
الراوي : مجاهد بن جبر المكي | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 4498 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

أقامَت شَريعةُ الإسْلامِ مَوازينَ العَدلِ بالقِسطِ، وأعطَتْ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، وفي الوَقتِ ذاتِه فتَحَت بابَ الرَّحْمةِ والتَّيسيرَ على الخَلقِ، بما لا يَعودُ بالضَّررِ على أحدٍ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ عَبدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ القِصاصَ كان شَريعةَ اللهِ الماضيةَ في بَني إسْرائيلَ. والقِصاصُ: هو مُعاقَبةُ الجاني بمِثلِ فِعلِه؛ فإنْ قتَلَ مُتعمِّدًا يُقتَلُ عُقوبةً له، وإنْ أتلَفَ عُضوًا يُعاقَبُ بإتْلافِ مِثلِ ما أتلَفَ، فإنْ كان دونَ الإتْلافِ للعُضوِ -كجُرحٍ مثلًا- كان له جَرْحُ مَن جرَحَه، وهكذا على ذلك النَّحوِ، ولم تكُنْ فيهمُ الدِّيَةُ، يَعني: لم يكنْ هناك عَفوٌ مُقابلَ مِقْدارٍ منَ المالِ، والدِّيَةُ: هي مِقْدارُ المالِ المُحدَّدِ مِنَ الشَّرعِ الَّذي يَدفَعُه عاقِلةُ -أقاربُ- القاتلِ، لأهْلِ المَجنيِّ عليه، سَواءٌ كان مَقْتولًا أو مَجْروحًا، فشرَعَه اللهُ لتلك الأمَّةِ، والمُرادُ بها أمَّةُ النَّبيِّ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الدِّيَةَ، فقال اللهُ تعالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 178]، ومَعنى الآيةِ: أنَّ اللهَ فرَضَ وشرَعَ القِصاصَ، وأنْ يُعاقَبَ الجاني المُتعمِّدُ بمِثلِ جِنايتِه، والعَفوُ أنْ يَقبَلَ الأوْلياءُ الدِّيَةَ في القَتلِ، والجِراحِ العَمدِ، ولا يُقتَصُّ منَ الجاني إنْ قُبِلَتِ الدِّيَةُ مِن أوْلياءِ المَجنيِّ عليه، وذلك ظاهرٌ في قولِه تعالى: {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ}، فإذا عَفا أهلُ المَقْتولِ، وقَبِلوا الدِّيَةَ، فلْيَطلُبوها بحُسنِ خِطابٍ، ودونَ إثْقالٍ، ويُؤدِّي إليهمُ القاتِلُ ما عليه مِن دِيَةٍ بإنْجازٍ دونَ تأْخيرٍ أو إساءةٍ؛ بل على أفضَلِ حالٍ، {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} بخِلافِ ما كُتِبَ على مَن كان قبْلَ أُمَّةِ الإسلامِ، {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، أي: مَن تَعدَّى هذا الحُكمَ -بأنِ اقتَصَّ منَ القاتِلِ بعْدَ أنْ أخَذَ الدِّيَةَ- فله عَذابٌ أليمٌ.
وفي الحَديثِ: بَيانُ اتِّفاقِ الشَّرائعِ السَّماويَّةِ في أصْلِ الأحْكامِ معَ اختِلافِ التَّفاصيلِ.
وفيه: بَيانُ أنَّ الأمَّةَ الإسْلاميَّةَ أمَّةٌ مَرْحومةٌ، ومُخفَّفٌ عنها في الأحْكامِ، وذلك مِن فَضلِ اللهِ تعالَى على هذا الأُمَّةِ.
وفيه: حَضٌّ منَ اللهِ تعالَى على حُسنِ الاقْتِضاءِ منَ الطَّالِبِ، وحُسنِ القَضاءِ منَ المؤَدِّي.
وفيه: أنَّ صاحبَ الكَبيرةِ لا يَخرُجُ عنْ مُسمَّى الإيمانِ؛ للوَصْفِ بالإيمانِ بعْدَ وُجودِ القَتلِ، ولبَقاءِ الأُخوَّةِ الثَّابتةِ بالإيمانِ، ولاستِحْقاقِ التَّخْفيفِ والرَّحمةِ.