الموسوعة الحديثية


- ذُكِرَ عِنْدَ عَائِشَةَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ: المَيِّتُ يُعَذَّبُ ببُكَاءِ أَهْلِهِ عليه، فَقالَتْ: رَحِمَ اللَّهُ أَبَا عبدِ الرَّحْمَنِ، سَمِعَ شيئًا فَلَمْ يَحْفَظْهُ، إنَّما مَرَّتْ علَى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ، وَهُمْ يَبْكُونَ عليه، فَقالَ: أَنْتُمْ تَبْكُونَ، وإنَّه لَيُعَذَّبُ.
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم | الصفحة أو الرقم : 931 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] | التخريج : أخرجه البخاري (3978) بنحوه، ومسلم (931).
كُلُّ مُصيبةٍ مهْما عَظُمتْ، يُقابِلُها أجرٌ لِمَن صَبَر على شِدَّتِها، وهكذا مُصيبةُ المَوتِ؛ لِما فيها مِن فَقْدِ النَّاسِ والأحِبَّةِ، وكان مِن العاداتِ الجاهليَّةِ أنْ يُوصيَ الإنسانُ أنْ يُبْكى عليه ويُناحَ بما يُخالِفُ كلَّ الأعرافِ والشَّرائعِ، وقدْ نَهى الإسلامُ عن ذلك، وتَوعَّد المُتعمِّدَ والمُصِرَّ بالعِقابِ، وبيَّنَ أنَّها تَجلِبُ لِصاحبِها الألَمَ والعذابَ إنْ وصَّى بها أو رَضِيَها.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ التَّابعيُّ عُروةُ بنُ الزُّبَيرِ أنَّه ذُكِرَ عِندَ عائشةَ رَضِي اللهُ عنها قَولُ عبْدِ اللهِ بنِ عُمرَ رَضِي اللهُ عنهما: «إنَّ الميِّتَ يُعذَّبُ بِبُكاءِ أَهلِه عَليهِ»، أي: يُعذَّبُ وهو في قَبرِه ببُكاءِ الحيِّ مِن أهلِه عليه، وغيرِ ذلك ممَّا يَفعَلونَه مِن عاداتِ الجاهليَّةِ. وقدْ حمَلَ طائفةٌ مِنَ العُلماءِ ذلك على مَن أوصَى به، أو كانتْ عادتُهم كذلك ولم يَنْهَهُم، فلَم يُوصِ قبْلَ مَوتِه بألَّا يُحْدِثوا قَولًا ولا فِعْلًا مُنْكَرًا، وهذا كان مَشهورًا عندَ العربِ؛ لأنَّه إذا غلَبَ على ظنِّه فِعْلُهم له، ولم يُوصِهم بتَرْكِه، فقدْ وصَّى به، وصارَ كمَن ترَكَ النَّهيَ عَنِ المُنكرِ مع القُدرةِ عليه، فأمَّا إذا أوصاهُمْ بتَرْكِه، فخالَفوه؛ فاللهُ أكرَمُ مِن أنْ يُعذِّبَه بذلك.
فلمَّا سَمِعتْ عائشةُ رَضِي اللهُ عنها ذلك، قالتْ: «رَحِمَ اللهُ أَبا عَبدِ الرَّحمَنِ، سَمِعَ شَيئًا فَلمْ يَحفَظْه»، وهو أنَّ لهذا الحديثِ سَببًا وليس كما ظَنَّ ابنُ عُمرَ رَضِي اللهُ عنهما، أو ما يُوهِمُه ظاهرُ الحديثِ أنَّه على إطلاقِه ويَشمَلُ جَميعَ الأمواتِ، فأخبَرَت عائشةُ رَضِي اللهُ عنه سَببَ الحديثِ، فقالت: «إنَّما مَرَّت على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم جِنازةُ يَهوديٍّ»، وأهلُه يَبكونَ عَليه، فَقالَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: «أَنتُم تَبكونَ» بعْدَ مَوتِه، والخِطابُ لأهْلِ الميِّتِ «وإنَّه لَيُعذَّبُ»؛ وفي رِوايةٍ مُتَّفقٍ عليها فقالَتْ: «وَهَلَ؛ إنَّما قالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: إنَّه لَيُعَذَّبُ بخَطِيئَتِهِ وذَنْبِهِ، وإنَّ أهْلَهُ لَيَبْكُونَ عليه الآنَ»، أي: إنَّ أهْلَه يَبْكُونَ عليه وهو يُعذَّبُ بخَطيئتِه، فالسَّببُ في تَعذيبِه ليْس بُكاءَ أهْلِه عليه، وإنَّما ذُنوبُه وخَطاياهُ.
وإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يقولُ: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] أي: لا تَحمِلُ نفْسٌ إثْمَ نفْسٍ أُخرى.
وفي الحَديثِ: بَيانُ مَكانةِ عائشةَ رَضِي اللهُ عنها مِن الفقهِ والعلمِ.
وفيه: تَصويبُ المفاهيمِ الخاطئةِ عندَ بعضِ النَّاسِ باستخدامِ الدَّليلِ والإقناعِ.