المُؤمِنونَ إخوةٌ، يُساعِدُ بَعضُهم بَعضًا، ويواسي بَعضُهم بَعضًا بما عِندَهم حَسَبَ استِطاعَتِهم، ومِن أنواعِ المواساةِ أن يُقرِضَ الموسِرُ أخاه المُحتاجَ عِندَ حاجَتِه، فالقَرضُ مَشروعٌ، وعلى المُقتَرِضِ أن يَحرِصَ على سَدادِ القَرضِ وألَّا يَموتَ وفي ذِمَّتِه لأحَدٍ شَيءٌ؛ فقد جاءَ أنَّ مِن أسبابِ عَذابِ القَبرِ عَدَمَ سَدادِ الدَّينِ، وفي هذا الحَديثِ يَقولُ جابِرُ بنُ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما: ماتَ رَجُلٌ مِنَّا، أي: مِنَ الصَّحابةِ، فغَسَّلناه وكَفَّنَّاه وحَنَّطناه. والحَنوطُ: هو ما يَخلَطُ مِنَ الطِّيبِ لأكفانِ المَوتى وأجسامِهم خاصَّةً، ووضَعناه لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حَيثُ توضَعُ الجَنائِزُ عِندَ مَقامِ جِبريلَ، أي: بَعدَما غَسَّلوا المَيِّتَ وكَفَّنوه وحَنَّطوه ذَهَبوا به ووضَعوه عِندَ مَكانِ مُصَلَّى الجَنائِزِ في المَوضِعِ المُسَمَّى بمَقامِ جِبريلَ عليه السَّلامُ، وهو في حائِزِ الحُجرةِ الشَّريفةِ عِند مُنحَرَفِ صَفحَتِه الغَربيَّةِ للشَّمالِ. ثُمَّ آذَنَّا رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالصَّلاةِ عليه، أي: أعلَموا رَسولَ اللهِ بهذا المَيِّتِ؛ كَي يُصَلِّيَ عليه، فجاءَ مَعنا، أي: رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، خُطًى، أي: مَشى أقدامًا، فلَمَّا وصَلَ قال لَهم: لَعَلَّ على صاحِبِكُم دَينًا! أي: هَل على هذا المَيِّتِ دَينٌ؟ فقالوا: نَعَم، دينارانِ، أي: ماتَ ولَم يَترُكْ وَفاءَهما، فتَخلَّف، أي: رَجَعَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وتَرَكَ الصَّلاةَ عليه، فقال رَجُلٌ مِنَ الصَّحابةِ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُقالُ لَه أبو قتادةَ: يا رَسولَ اللهِ، هما عَليَّ، أي: الدِّينارانِ عليَّ، وأنا أتَكَفَّلُ بسَدادِهما. فجَعَلَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: هما عليك، وفي مالِك، والمَيِّتُ مِنهما بَريءٌ؟ أي: يُؤَكِّدُ على أبي قتادةَ تَكَفُّلَه وتَحمُّلَه للدِّينارَينِ وتَبرِئةَ ذِمَّةِ المَيِّتِ مِنهما. فقال أبو قتادةَ: نَعَم. فعِندَ ذلك صَلَّى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على المَيِّتِ، فجَعَلَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أي: كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا لَقيَ أبا قتادةَ، يَقولُ لَه: ما فَعَل الدِّينارانِ؟ أي: هَل سَدَّدتَهما وقَضَيتَهما؟ حتَّى كان آخِرَ ذلك قال أبو قتادةَ: قد قَضَيتُهما يا رَسولَ اللهِ، أي: الآنَ انتَهَيتُ مِن سَدادِهما. فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: الآنَ بَرَّدتَ عليه جِلدَه. مِنَ التَّبريدِ، أي: خَلَّصتَه مِنَ العَذابِ الذي كان عليه بسَبَبِ الدَّينِ، فخُلوصُ المَيِّتِ على الحَقيقةِ إنَّما يَكونُ بالقَضاءِ عنه لا بمُجَرَّدِ التَّحَمُّلِ بالدَّينِ بلَفظِ الضَّمانةِ؛ ولِهذا سارَعَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى سُؤالِ أبي قتادةَ عنِ القَضاءِ.
وفي الحَديثِ مَشروعيَّةُ وَضعِ الحَنوطِ والطِّيبِ على المَيِّتِ.
وفيه مَشروعيَّةُ تَخصيصِ مَوضِعٍ لصَلاةِ الجَنائِزِ.
وفيه إعلامُ الإمامِ بمَن ماتَ حتَّى يُصَلِّيَ عليه.
وفيه سُؤالُ الإمامِ عنِ المَيِّتِ إذا كان عليه دَينٌ.
وفيه مَشروعيَّةُ تَركِ الإمامِ الصَّلاةَ على مَن كان عليه دَينٌ.
وفيه مَشروعيَّةُ تَكَفُّلِ بَعضِ الحاضِرينَ بقَضاءِ الدَّينِ عنِ المَيِّتِ.
وفيه خُطورةُ عَدَمِ قَضاءِ الدَّينِ وأنَّه مِن أسبابِ عَذابِ القَبرِ.
وفيه مَشروعيَّةُ حَضِّ الإمامِ مَن تحَمَّل عن مَيِّتٍ على الإسراعِ بالقَضاءِ .