الشَّيطانُ عَدوٌّ للإنسانِ، يَحرِصُ على إغوائِه بكُلِّ وسيلةٍ؛ حتَّى يُفسِدَ عليه دينَه وعِبادَتَه، ومِن أشَدِّ وساوِسِ الشَّيطانِ على الإنسانِ أنَّه يَأتيه في صَلاتِه حتَّى يَشغَلَه فيها ويُفسِدَها عليه، وقد حَصَلَ ذلك للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فبَينَما كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصَلِّي أتاه الشَّيطانُ، أي: جاءَه الشَّيطانُ حتَّى يُلبِّسَ عليه صَلاتَه ويُفسِدَها عليه، فأخَذَه فصَرَعَه، فخَنَقَه، أي: أخَذَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الشَّيطانَ وأمسَكَه وقَلَبَه، وخَنَقَه مِن عُنُقِه حتَّى تَمَكَّنَ مِنه. قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: حتَّى وَجَدتُ بَردَ لِسانِه على يَدَيَّ! أي: أنَّ الشَّيطانَ مِن شِدَّةِ خَنقِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم له أخرج لسانَه ووجَدَ النَّبيُّ بَردَ لِسانِه، أي: لُعابِه. ولَولا دَعوةُ أخي سُلَيمانَ عليه السَّلامُ لأصبَح موثَقًا حتَّى يَراه النَّاسُ، أي: لَولا أنَّ نَبيَّ اللهِ سُلَيمانَ عليه السَّلامُ دَعا وقال: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي}
[ص: 35] ، لَرَبَطتُ هذا الشَّيطانَ وأوثَقتُه حتَّى يَراه النَّاسُ جَميعًا، وإنَّما امتَنَعَ نَبيُّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن رَبطِه؛ إمَّا أنَّه لَم يَقدِرْ عليه، وإمَّا لكَونِه لَمَّا تَذَّكَّر دَعوةَ سُلَيمانَ لَم يَتَعاطَ ذلك لظَنِّه أنَّه لَم يَقدِرْ عليه، أو تَواضُعًا وتَأدُّبًا.
وفي الحَديثِ مُحاولةُ الشَّيطانِ إيذاءَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في صَلاتِه.
وفيه تَمَكُّنُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ الشَّيطانِ.
وفيه إمكانيَّةُ رُؤيةِ الإنسِ للشَّياطينِ.
وفيه أنَّ للشَّيطانِ لسانًا.
وفيه بَيانُ ما أوتيَ نَبيُّ اللهِ سُلَيمانُ عليه السَّلامُ مِنَ المُلكِ .