لمَّا هاجَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى المَدينةِ واستَقَرَّ فيها بَنى دَولةَ الإسلامِ، وبَنى المَسجِدَ، وآخى بَينَ المُهاجِرينَ والأنصارِ، وبَدَأت حَياةُ الكِفاحِ والجِهادِ في سَبيلِ اللهِ، فكانت غَزوةُ بَدرٍ في السَّنةِ الثَّانيةِ للهجرةِ، وانتَصَرَ فيها المُسلِمونَ انتِصارًا عَظيمًا، سَمَّاه اللهُ تعالى بيَومِ الفرقانِ، وأذَلَّ اللهُ فيه كُفَّارَ قُرَيشٍ وقَتَلَ صَناديدَهم، وفي هذا الحَديثِ يَحكي عَليُّ بنُ أبي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنه عن قِصَّةِ غَزوةِ بَدرٍ، وكَيف كانت، فيَقولُ: ما كان فينا فارِسٌ، أي: صاحِبُ فرَسٍ يَركَبُه، يَومَ بَدرٍ، أي: يَومَ غَزوةِ بَدرٍ، غَيرُ المِقدادِ. وهو المِقدادُ بنُ الأسوَدِ رَضِيَ اللهُ عنه، أي: كان هو الوحيدَ مِمَّن خَرَجوا في غَزوةِ بَدرٍ ومَعَه فرَسٌ، ولَقد رَأيتُنا وما فينا إلَّا نائِمٌ، أي: أنَّ اللَّهَ تعالى ألقى على الصَّحابةِ النَّومَ أمَنةً مِنه سُبحانَه، كَما قال تعالى: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ}
[الأنفال: 11] ، إلَّا رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أي: أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم لم يَكُنْ نائِمًا، وإنَّما كان تَحتَ شَجَرةٍ يُصَلِّي، ويَبكي، أي: يَتَضَرَّعُ للهِ ويَدعوه، ومِن شِدَّةِ تَضَرُّعِه ودُعائِه كان يَبكي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ ليَستَجيبَ اللهُ دُعاءَه ويَنصُرَهم على عَدوِّهم، حتَّى أصبَحَ، أي: جَعَلَ يُصَلِّي ويَدعو إلى الصَّباحِ.
وفي الحَديثِ فَضلُ المِقدادِ رَضِيَ اللهُ عنه.
وفيه فَضلُ اللهِ على الصَّحابةِ حَيثُ ألقى عليهمُ النَّومَ في غَزوةِ بَدرٍ.
وفيه بَيانُ ما كان عليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن شِدَّةِ التَّضَرُّعِ والمُناجاةِ للَّهِ.
وفيه دَلالةٌ على تَيَقُّظِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وشِدَّةِ اهتِمامِه بهذه الغَزوةِ والتِجائِه إلى رَبِّه؛ فإنَّ في الِالتِجاءِ إليه النَّصرَ.
وفيه مَشروعيَّةُ البُكاءِ مِن خَشيةِ اللهِ.
وفيه بَيانُ أنَّ البُكاءَ في الصَّلاةِ لا يُبطِلُها .