أوجَدَتِ الشَّريعةُ للنَّاسِ أعيادًا يَفرَحونَ بها، ويُرَوِّحونَ عن أنفُسِهم فيها، ولِلمُسلِمينَ عيدانِ، وهما الفِطرُ والأضحى، وجاءَتِ السُّنَّةُ ببَيانِ أحكامِ العيدِ، ومِنها صَلاةُ العيدِ والخُطبةُ، يَخطُبُ فيها الإمامُ في النَّاسِ ويُذَكِّرُهم ويُرشِدُهم، ثُمَّ يَخُصُّ النِّساءَ بمَزيدِ وَعظٍ وتَذكيرٍ؛ لِما يَحصُلُ مِنهنَّ مِنَ التَّقصيرِ والنُّقصانِ، يَقولُ أبو سَعيدٍ رَضِيَ اللهُ عنه: خَرَجَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في أضحى أو فِطرٍ -وهو شَكٌّ مِنَ الرَّاوي، أي: خَرَجَ في عيدِ الفِطرِ أو عيدِ الأضحى، والشَّكُّ في تَحديدِ اليَومِ لا يَضُرُّ؛ لأنَّ المَعنى والمَقصَدَ واحِدٌ، فصَلاةُ العيدِ واحِدةٌ، سَواءٌ كان فِطرًا أو أضحى- إلى المُصَلَّى، أي: المَكانِ الذي تُصَلَّى فيه صَلاةُ العيدِ، فصَلَّى، أي: صَلَّى صَلاةَ العيدِ بالنَّاسِ، وانصَرَف، أي: ثُمَّ بَعدَ الصَّلاةِ خَطَبَ في النَّاسِ كما في الرِّواياتِ الأخرى، وبَعدَ أنِ انتَهى مِنَ الخُطبةِ في النَّاسِ تَوجَّه وقَصَد النِّساءَ وخَصَّهنَّ بالوَعظِ، وقال لهنَّ: يا مَعشَرَ النِّساءِ -والمَعشَرُ كُلُّ جَماعةٍ أمرُهم واحِدٌ- تَصَدَّقْنَ، أي: عليكُنَّ بكَثرةِ الصَّدَقةِ، ما رَأيتُ مِن ناقِصاتِ عَقلٍ ودينٍ أذهَبَ، أي: أشَدَّ إذهابًا، للُبِّ -واللُّبُّ أخَصُّ مِنَ العَقلِ، وهو الخالِصُ مِنه- الرَّجُلِ الحازِمِ -أي: الضَّابِطِ لأمرِه- مِن إحداكُنَّ يا مَعشَرَ النِّساءِ. وهذه مُبالَغةٌ في وَصفِهنَّ بذلك؛ لأنَّ الضَّابِطَ لأمرِه إذا كان يَنقادُ لهنَّ فغَيرُ الضَّابِطِ أَولى. فقالتِ النِّساءُ: ما نُقصانُ عَقلِنا ودينِنا يا رَسولَ اللهِ؟ أي: كَأنَّه خَفِيَ عليهنَّ ذلك حتَّى سَألنَ عنه، فأجابَهنَّ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن غَيرِ تَعنيفٍ ولا لَومٍ، بَل خاطَبَهنَّ على قدرِ عُقولِهنَّ، فقال: ألَيسَ شَهادةُ المَرأةِ مِثلَ نِصفِ شَهادةِ الرَّجُلِ؟ فقُلنَ: بَلى، أي: أجَلْ. وأشارَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بقَولِه: مِثلَ نِصفِ شَهادةِ الرَّجُلِ، إلى قَولِه تعالى: {فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى}
[البقرة: 282] ؛ لأنَّ الِاستِظهارَ بأخرى مُؤذِنٌ بقِلَّةِ ضَبطِها، وهو مُشعِرٌ بنَقصِ عَقلِها، ثُمَّ قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أوَلَيست إذا حاضَتِ المَرأةُ لَم تُصَلِّ ولَم تَصُمْ؟ أي: إذا جاءَها الحَيضُ امتَنَعَت عنِ الصَّلاةِ والصِّيامِ، فذاكَ مِن نُقصانِ دينِها، أي: حَيثُ تَظَلُّ المَرأةُ لا تُصَلِّي ولا تَصومُ. ولَيسَ المَقصودُ بذِكرِ النَّقصِ في النِّساءِ لَومَهنَّ على ذلك؛ لأنَّه مِن أصلِ الخِلقةِ، لَكِنِ التَّنبيهَ على ذلك للتَّحذيرِ مِنَ الِافتِتانِ بهنَّ، وكذلك الحائِضُ لا تَأثَمُ بتَركِ الصَّلاةِ زَمَنَ الحَيضِ، لَكِنَّها ناقِصةٌ عنِ المُصَلِّي.
وفي الحَديثِ مَشروعيَّةُ الخُروجِ إلى المُصَلَّى في العيدِ.
وفيه مَشروعيَّةُ حُضورِ النِّساءِ العيدَ، لَكِن يَنفرِدنَ عنِ الرِّجالِ.
وفيه مَشروعيَّةُ صَلاةِ العيدِ.
وفيه مَشروعيَّةُ عِظةِ الإمامِ النِّساءَ على حِدةٍ.
وفيه بَيانُ خُطورةِ فِتنةِ المَرأةِ على الرَّجُلِ.
وفيه أنَّ العَقلَ يَقبَلُ الزِّيادةَ والنُّقصانَ.
وفيه بَيانُ مَعنى نُقصانِ العَقلِ والدِّينِ عِندَ المَرأةِ .