مِن أشراطِ السَّاعةِ التي ورَدَ ذِكرُها في السُّنَّةِ خُروجُ المَسيحِ الدَّجَّالِ، وما مِن نَبيٍّ مِنَ الأنبياءِ إلَّا وحَذَّرَ أُمَّتَه مِنَ المَسيحِ الدَّجَّالِ، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أشَدَّ الأنبياءِ تَحذيرًا لأُمَّتِه مِنَ المَسيحِ الدَّجَّالِ، وبَيَّنَ لَهم عَظيمَ فِتنَتِه، وأمرَهم أن يَستَعيذوا مِنه في صَلاتِهم؛ ولهذا فقد أكثَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن ذِكرِ صِفاتِ المَسيحِ الدَّجَّالِ، وفي هذا الحَديثِ بَعضُ أخبارِ الدَّجَّالِ؛ تَقولُ عائِشةُ رَضِيَ اللهُ عنها: دَخَلَ عليَّ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أي: في حُجرَتي، وأنا أبكي، أي: وعائِشةُ تَبكي. فسَألَها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن سَبَبِ بُكائِها، فقال لَها: ما يُبكيك؟ فقالت: يا رَسولَ اللهِ، ذَكَرتُ الدَّجَّالَ فبَكَيتُ، أي: أنِّي ذَكَرتُ ما أخبَرتَنا مِن عَظيمِ فِتنةِ الدَّجَّالِ مِمَّا جَعَلَني أخافُ فبَكَيتُ! فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إن يَخرُجِ الدَّجَّالُ وأنا حَيٌّ كَفيتُكُموه، أي: لا تَخافي يا عائِشةُ؛ فإنَّه إذا خَرَجَ وأنا ما زِلتُ حَيًّا بَينَكُم فأنا أكفيكُم أمرَه وأتَصَدَّى له، وهذا يَدُلُّ على أنَّه لَم يَكُنْ عالِمًا بوقتِ خُروجِه. وإن يَخرُجْ بَعدي، أي: أمَّا إذا خَرَجَ بَعدَ مَوتي فإنَّ الدَّجَّالَ له صِفاتٌ يُعرَفُ بها فلا يُشتَبِهُ الأمرُ عليكُم؛ فإنَّ رَبَّكُم عَزَّ وجَلَّ ليس بأعوَرَ، أي: أنَّ الدَّجَّالَ أعوَرُ، والمَعنى: أنَّ الدَّجَّالَ يَدَّعي أنَّه رَبُّكُم، فاعلَموا أنَّ رَبَّكُم ليس بأعورَ، وإنَّه يَخرُجُ في يَهوديَّةِ أصبَهانَ، أي: مِن عَلاماتِ الدَّجَّالِ أنَّه سيَخرُجُ في مَدينةِ أصبهانَ التي يَكثُرُ فيها اليَهودُ. وأصبَهانُ: مَدينةٌ عَظيمةٌ مَشهورةٌ، وتَقَعُ حاليًّا في دَولةِ إيرانَ. ثُمَّ يَمشي الدَّجَّالُ حَتَّى يَأتيَ المَدينةَ، أي: مَدينةَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُريدُ أن يَدخُلَها، فيَنزِلُ ناحيَتَها، أي: طَرَفَها، ولَها، أي: المَدينةِ، يَومئِذٍ، أي: في ذلك الزَّمانِ، سَبعةُ أبوابٍ، على كُلِّ نَقبٍ، أي: جَبَلٍ، مِنها مَلكانِ، أي: يَحرُسانِ المَدينةَ مِن كُلِّ نَواحيها مِن دُخولِ الدَّجَّالِ، فيَخرُجُ إلى الدَّجَّالِ شِرارُ أهلِها، أي: شَرُّ أهلِ المَدينةِ وأخبَثُهم، ثُمَّ يَمشي الدَّجَّالُ ويَسيرُ حَتَّى يَأتيَ الشَّامَ في مَدينةٍ بفِلَسطينَ ببابِ لُدٍّ. ولُدٌّ: قَريةٌ قُربَ بَيتِ المَقدِسِ مِن نَواحي فِلَسطينَ. وقال أبو داوُدَ مَرَّةً: حَتَّى يَأتيَ فِلَسطينَ بابَ لُدٍّ. وهذا شَكٌّ مِنَ الرَّاوي. والمَعنى: أنَّه يَأتي بابَ لُدٍّ، وعِندَ ذلك يَنزِلُ عيسى عليه السَّلامُ فيَقتُلُه، أي: يَقتُلُ المَسيحَ الدَّجَّالَ عِندَ بابِ لُدٍّ، ثُمَّ يَمكُثُ عيسى عليه السَّلامُ في الأرضِ أربَعينَ سَنة إمامًا، أي: مُتَّصِفًا بالإمامةِ العُظمى خَليفةً عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا إمامةَ الصَّلاةِ، عَدلًا، أي: عادِلًا في جَميعِ ما يَحكُمُ به بَينَ النَّاسِ، وحَكَمًا، أي: حاكِمًا بَينَ النَّاسِ بشَريعةِ نَبيِّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، لا نَبيًّا مُرسَلًا بشَريعةٍ أُخرى، مُقسِطًا، أي: عادِلًا في الحُكمِ.
وفي الحَديثِ ما كان عليه الصَّحابةُ مِنَ الخَوفِ مِن خُروج المَسيحِ الدَّجَّالِ.
وفيه سُؤالُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أصحابَه عَمَّا يُقلقُهم أو يَحزُنُهم.
وفيه حُسنُ عِشرةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لزَوجاتِه.
وفيه مَشروعيَّةُ تَسليةِ وتطمينِ الإمامِ لأصحابِه مِمَّا يُخيفُهم أو يُزعِجُهم.
وفيه إثباتُ صِفةِ العَينَينِ للَّهِ تعالى.
وفيه بَيانُ بَعضِ صِفاتِ المَسيحِ الدَّجَّالِ.
وفيه بَيانُ المَكانِ الذي يَخرُجُ مِنه المَسيحُ الدَّجَّالُ.
وفيه أنَّ المَسيحَ الدَّجَّالَ مَمنوعٌ مِن دُخولِ المَدينةِ.
وفيه بَيانُ فَضلِ المَدينةِ.
وفيه بَيانُ أنَّ عيسى عليه السَّلامُ هو الذي يَقتُلُ المَسيحَ الدَّجَّالَ.
وفيه بَيانُ المَكانِ الذي يُقتَلُ فيه المَسيحُ الدَّجَّالُ.
وفيه بَيانُ أنَّ اللَّهَ رَفعَ عيسى للسَّماءِ وأنَّه يَنزِلُ آخِرَ الزَّمانِ.
وفيه بَيانُ مُدَّةِ مُكثِ عيسى عليه السَّلامُ عِندَ نُزولِه إلى الأرضِ.
وفيه إمامةُ عيسى عليه السَّلامُ للنَّاسِ في آخِرِ الزَّمانِ.
وفيه انتِشارُ العَدلِ في زَمَنِ عيسى عليه السَّلامُ .