بعَثَ اللهُ تعالى الأنبياءَ والرُّسُلَ لدَعوةِ النَّاسِ لتَوحيدِ اللهِ تعالى وتَرْكِ عِبادةِ الأصنامِ والأوثانِ، فقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}
[النحل: 36] ، فبَلَّغَ رُسُلُ اللهِ تعالى ما أُمِرُوا به، وكان أعظَمَهم بَلاغًا ونُصحًا لأُمَّتِه نَبيُّنا مُحَمَّدٌ صلَّى الله عليه وسلَّم، وقد خَصَّ اللهُ تعالى نَبيَّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بخَصائِصَ كَثيرةٍ لَيسَت لغَيرِه مِنَ الأنبياءِ، وذلك فَضلُ اللهِ يُؤتيه مَن يَشاءُ، وقد سَألَ الصَّحابةُ رَضِيَ اللهُ عنهمُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالوا له: إبراهيمُ خَليلُ اللهِ، أي: كما في قَولِه تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا}
[النساء: 125] ، والخَلَّةُ أعلى مَراتِبِ المَحَبَّةِ، وعيسى كَلِمَتُه ورُوحُه، أي: كما في قَولِه تعالى: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ}
[النساء: 171] ، أي: أنَّه كان بكَلمةِ كُنْ، فكان بَشَرًا مِن غَيرِ أبٍ، وهو رُوحٌ كَسائِرِ الأرواحِ إلَّا أنَّ اللَّهَ تعالى أضافه إلى نَفسِه تَشريفًا. وقيلَ: الرُّوحُ هو النَّفخُ الذي نَفخَه جِبريلُ عليه السَّلامُ في دِرع مَريَمَ فحَمَلتْه بإذنِ اللهِ تعالى، وأضافه إلى نَفسِه؛ لأنَّه كان بأمرِه. وقيلَ غَيرُ ذلك. وموسى كَلَّمَه اللهُ تَكليمًا، أي: كما في قَولِه تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}
[النساء: 164] . فماذا أُعطِيتَ يا رَسولَ اللهِ؟ أي: ماذا أعطاك اللهُ تعالى مِنَ الفضائِلِ، وقد كان لهَؤُلاءِ الأنبياءِ هذه الفضائِلُ؟ فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وَلَدُ آدَمَ كُلُّهم تَحتَ رايَتي يَومَ القيامةِ، أي: أنَّ أولادَ آدَمَ كُلُّهم -ويَدخُلُ فيهم جَميعُ الأنبياءِ، ومِنهم هؤلاء الذين ذَكَروا- يَكونونَ تَحتَ لوائي يَومَ القيامةِ، فهو سَيِّدُ ولَدِ آدَمَ يَومَ القيامةِ، وأنا أوَّلُ مَن تُفتَحُ له أبوابُ الجَنَّةِ، أي: قَبلَ جَميعِ الأنبياءِ والرُّسُلِ.
وفي الحَديثِ بَيانُ فَضلِ نَبيِّنا على بَقيَّةِ الأنبياءِ .