مِن مُقتَضَياتِ الإيمانِ بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَحَبَّتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أشَدَّ مِن مَحَبَّةِ النَّفسِ والمالِ والولَدِ، فلا يُؤمِنُ الشَّخصُ حَتَّى يَكونَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أحَبَّ إليه مِن نَفسِه ومِن والدِه وولَدِه والنَّاسِ أجمَعينَ؛ فالإيمانُ لا يَكمُلُ إلَّا بذلك، وهَكَذا كان الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم، فكانوا يُحِبُّونَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حُبًّا شديدًا، وقِصَصُهم في ذلك كَثيرةٌ، ويَوَدُّونَ أنَّهم لا يُفارِقونَ مَجلِسَه، وقد جاءَ رَجُلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا رَسولَ اللهِ، إنَّك لأحَبُّ إليَّ مِن نَفسي، وإنَّك لأحَبُّ إليَّ مِن ولَدي، وإنِّي لأكونُ في البَيتِ فأذكُرُك فما أصبرُ حَتَّى آتيَ فأنظُرَ إليك؛ مِن شِدَّةِ حُبِّه للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وإذا ذَكَرتُ مَوتي ومَوتَك، أي: إذا تَذَكَّرتُ أنِّي سَأموتُ وأنَّك سَتَموتُ، عَرَفتُ أنَّك إذا دَخَلتَ الجَنَّةَ رُفِعتَ مَعَ النَّبيِّينَ، وأنِّي إذا دَخَلتُ الجَنَّةَ خَشِيتُ ألَّا أراك! لكَونِ مَنزِلةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الجَنَّةِ عاليةً، ومَنزِلةُ هذا الصَّحابيِّ أدنى، وفي رِوايةٍ أُخرى: لأنَّك تُرفَعُ مَعَ النَّبيِّينَ، وإنِّي إن دَخَلتُ الجَنَّةَ كُنتُ في مَنزِلةٍ أدنى مِن مَنزِلَتِك، وإن لَم أدخُلِ الجَنَّةَ لا أراك أبَدًا! فلَمَّا سَمِعَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كَلامَ الرَّجُلِ سَكَتَ ولَم يَرُدَّ عليه شَيئًا، حَتَّى نَزَلَ جِبريلُ عليه السَّلامُ بهذه الآيةِ: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}
[النساء: 69] ، أي: مَن عَمِلَ بما أمَرَه اللهُ ورَسولُه، وتَرَكَ ما نَهاه اللهُ عَنه ورَسولُه، فإنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ يُسكِنُه دارَ كَرامَتِه، ويَجعَلُه مُرافِقًا للأنبياءِ، ثُمَّ لمَن بَعدَهم في الرُّتبةِ، وهمُ الصِّدِّيقونَ، ثُمَّ الشُّهَداءُ، ثُمَّ عُمومُ المُؤمِنينَ، وهمُ الصَّالحونَ الذينَ صَلَحَت سَرائِرُهم وعَلانيَتُهم. وقيلَ: إنَّ المُرادَ بالمَعيَّةِ هنا مَعيَّةٌ خاصَّةٌ، وهيَ أن تَحصُلَ فيها المُلاقاةُ بَينَ المُحِبِّ والمَحبوبِ، لا أنَّهما يَكونانِ في دَرَجةٍ واحِدةٍ.
وفي الحَديثِ بَيانُ حُبِّ الصَّحابةِ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفيه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الجَنَّةِ في أعلى المَنازِلِ.
وفيه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان إذا لَم يَكُنْ عِندَه عِلمٌ في شَيءٍ سَكَتَ حَتَّى يَأتيَه الوحيُ.
وفيه بَيانُ سَبَبِ نُزول الآيةِ.
وفيه أنَّ على المَرءِ أن يَحرِصَ على طاعةِ اللهِ ورَسولِه؛ حَتَّى يَكونَ رَفيقًا للأنبياءِ ومَن مَعَهم .