أوجَبَ اللهُ أداءَ الصَّلاةِ في كلِّ وقتٍ، ولم يَجعَلْ للمُسلِمِ عُذرًا في تَرْكِها حتَّى أثْناءَ الحَربِ، وهذا يدُلُّ على عَظيمِ قَدْرِها، وكَبيرِ شَأنِها، وقدْ ورَدَتْ رِواياتٌ مُتعدِّدةٌ في كَيفيَّةِ صَلاةِ الخَوفِ، وهي الصَّلاةُ الَّتي تَحضُرُ والمُسلِمونَ مُتعرِّضونَ لقِتالِ العَدوِّ.
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يَقصُرُ الصَّلاةَ في السَّفرِ، فكان يَقصُرُ الصَّلاةَ الرُّباعيَّةَ -الظُّهرَ، والعَصرَ، والعِشاءَ- إلى رَكعَتَينِ، وهذه الرُّخصةُ مَأخوذةٌ من قَولِ اللهِ تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا}
[النساء: 101] . وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُتمُّ الصَّلاةَ في الحضَرِ. وقال ابنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما: فمَن صلَّى في السَّفرِ أرْبعًا، وأتمَّ الصَّلَواتِ الرُّباعيَّةَ؛ فهو مُخالِفٌ لهَدْيِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وسُنَّتِه، وهو كمَن صلَّى في الحَضَرِ رَكعَتَينِ، وهذا حثٌّ منه على أنَّ المُسلِمَ يَقبَلُ رُخصةَ اللهِ عزَّ وجلَّ له، وألَّا يَتكلَّفَ في مَواطِنِ الرُّخَصِ.
ثمَّ أخبَرَ ابنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لم يَقصُرِ الصَّلاةَ إلَّا مرَّةً واحدةً حيث صلَّى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَكعَتَينِ، وصلَّى النَّاسُ رَكعةً واحدةً، والمَقْصودُ بتلك الصَّلاةِ صَلاةُ الخَوفِ في الحَربِ.
وقد ورَد في كَيفيَّةِ صَلاةِ الخَوفِ صِفاتٌ كَثيرةٌ، وتبيَّنَ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قد صَلَّاها مرَّاتٍ مُتعدِّدةً في أيَّامٍ مُختلِفةٍ بأشْكالٍ مُتَبايِنةٍ، يَتحَرَّى فيها ما هو الأحْوَطُ للصَّلاةِ، والأبلَغُ للحِراسةِ، فهي على اختِلافِ صُوَرِها مُتَّفِقةُ المَعْنى.