الموسوعة الحديثية


-  وَقَفَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى قَلِيبِ بَدْرٍ، فقالَ: هلْ وجَدْتُمْ ما وعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟! ثُمَّ قالَ: إنَّهُمُ الآنَ يَسْمَعُونَ ما أقُولُ، فَذُكِرَ لِعائِشَةَ، فقالَتْ: إنَّما قالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّهُمُ الآنَ لَيَعْلَمُونَ أنَّ الذي كُنْتُ أقُولُ لهمْ هو الحَقُّ، ثُمَّ قَرَأَتْ {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: 80] حتَّى قَرَأَتِ الآيَةَ.
الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 3980 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] | التخريج : أخرجه مسلم (932) مطولاً باختلاف يسير
اختَلَفَ الصَّحابةُ فيما بيْنَهم في الرَّأيِ والاجْتِهادِ، وبَقيَ الدَّليلُ مِن القُرآنِ والسُّنَّةِ هو مِعْيارَ الصَّوابِ والخَطأِ فيما وقَع بيْنَهم مِن خِلافٍ.
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وقَف على قَليبٍ بَدرٍ، وهو البِئرُ الَّتي أُلْقيَ فيها صَناديدُ الكُفرِ مِن قُريشٍ وسادَتِهمُ الَّذين قُتِلوا في مَعرَكةِ بَدرٍ في العامِ الثَّاني مِن الهِجْرةِ، بعْدَ أنْ هزَمَهمُ اللهُ عزَّ وجلَّ بأيْدي المؤمِنينَ، وخاطَبَهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأسْمائِهم، فنادَى كُلَّ واحِدٍ منهم على حِدةٍ بأسْمائِهم، وأسْماءِ آبائِهم، تَوْبيخًا لهم، وقد جاء في صَحيحِ مُسلِمٍ التَّصريحُ بأسْمائِهم: «يا أبا جَهلِ بنَ هِشامٍ، يا أُميَّةُ بنَ خَلَفٍ، يا عُتْبةُ بنَ رَبيعةَ، يا شَيْبةُ بنَ رَبْيعةَ»، وخصَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هؤلاء بالخِطابِ؛ لشدَّةِ عِنادِهم ووَطْأَتِهم على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأصْحابِه، ثمَّ خاطَبَهم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قائلًا: هلْ وجَدْتُم ما وعَدَ رَبُّكم مِنَ العِقابِ حَقًّا؟! ثمَّ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «إنَّهمُ الآنَ يَسْمَعونَ ما أقولُ»، وهذا إخبارٌ عن إدْراكِهم وسَماعِهم قولَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
فأخْبَرَ عُروةُ بنُ الزُّبيرِ أنَّه ذُكِرَ لعائِشةَ رَضيَ اللهُ عنها قَولُ ابنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما، فأنكَرَتْ رِوايةَ ابنِ عُمَرَ وقالت: إنَّما قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «إنَّهمُ الآنَ ليَعْلَمونَ أنَّ الَّذي كُنتُ أقولُ لهم هو الحَقُّ»، مِنَ التَّوْحيدِ والإيمانِ وغَيرِهما، فنَفَت عنهمُ السَّماعَ حالَ كَوْنِهم أمْواتًا في قُبورِهم، ثمَّ استَدَلَّت رَضيَ اللهُ عنها على ذلك بقَولِه تعالى: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} [النمل: 80]، أرادَتْ بذلك تَأْكيدَ ما ذهَبَتْ إليه، ومَعنى الآيةِ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لا يُسمِعُهم، والَّذي يُسمِعُهم هو اللهُ تعالَى، وما ذكَرَه ابنُ عُمَرَ هو الأقْوى والأصحُّ، والآيةُ الَّتي استَدَلَّت بها أمُّ المؤمِنينَ عائشةُ لا تُناقِضُ ما ذكَرَه ابنُ عُمَرَ، والمَعنى: أنَّهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لا يُسمِعُهم، ولكنَّ اللهَ أحْياهُم حتَّى سَمِعوا، والعِلمُ لا يَمنَعُ مِن السَّماعِ؛ وذلك أنَّهم لا يُسمِعُهم وهُمْ مَوْتى، ولكنَّ اللهَ أحْياهُم حتَّى سَمِعوا، وإذا جاز أنْ يَكونوا في هذه الحالةِ عالِمينَ جاز أنْ يَكونوا سامِعينَ.