الموسوعة الحديثية


- جاء رَجُلٌ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ فقال: يا رسولَ اللهِ، شَهِدتُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّكَ رسولُ اللهِ، وصلَّيتُ الخَمْسَ، وأدَّيتُ زَكاةَ مالي، وصُمتُ شَهرَ رمضانَ. فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ: مَن ماتَ على هذا، كان مع النَّبيِّينَ والصِّدِّيقيَن والشُّهداءِ يومَ القِيامةِ، هكذا -ونَصَبَ إصْبَعَيه- ما لم يَعُقَّ والِدَيْه.
الراوي : عمرو بن مرة الجهني | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 00/ 81 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه أحمد (00/81) واللفظ له، وابن خزيمة (2212)، وابن حبان (3438)
في هذا الحَديثِ يُبيِّنُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أهَمَّ الأعمالِ التي تُدخِلُ الجَنَّةَ، وتُقرِّبُ إلى اللهِ تعالَى، فقد رَوى عَمرُو بنُ مُرَّةَ الجُهَنيُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه: "جاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: يا رَسولَ اللهِ، أرَأيتَ إنْ شَهِدتُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ"، فأخلَصتُ التَّوحيدَ لِلهِ، وأفرَدتُه بالعُبوديَّةِ وَحْدَه دُونَ سِواه، مع العِلْمِ والعَمَلِ بشُروطِها، "وأنَّكَ رَسولُ اللهِ"، فشَهِدتُ أنَّ اللهَ أرسَلَكَ بالحَقِّ لِهِدايةِ الناسِ، وهذا مِن تَمامِ التَّوحيدِ والإيمانِ باللهِ عَزَّ وجَلَّ، "وصَلَّيتُ الخَمسَ"، والمُرادُ بها الصَّلَواتُ المَفروضةُ، وذلك بالمُواظَبةِ على أدائِها كما يَنبَغي, وذلك بإتقانِ الوُضوءِ, وتأدِيةِ أركانِها، مِنَ الرُّكوعِ والسُّجودِ وغَيرِ ذلك، بطُمَأْنينةٍ وخُشوعٍ، مع الشُّروطِ اللَّازِمةِ, والحِفاظِ على مَواقيتِها في أوَّلِ وَقتِها، وعَدَمِ الخُروجِ عن وَقتِها المُحَدَّدِ، "وأدَّيتُ الزَّكاةَ"، بإخراجِها بطِيبِ نَفْسٍ، دُونَ كَراهةٍ أو تَضجُّرٍ، وذلك بأنْ يُخرِجَ زَكاةَ مالِه إذا بَلَغَ ذلك المالُ النِّصابَ، وهو المِقدارُ الذي سَمَّاه وحَدَّدَه الشَّرعُ في كُلِّ أنواعِ المالِ، وحالَ عليه الحَولُ، وهو العامُ القَمَريُّ، "وصُمتُ رَمَضانَ"؛ إيمانًا باللهِ تعالَى، واحتِسابًا لِلأجْرِ، والصَّومُ هو الإمساكُ -بنيَّةِ التَّعبُّدِ- عنِ الأكْلِ والشُّربِ، وسائِرِ المُفطِّراتِ، وغِشْيانِ النِّساءِ، مِن طُلوعِ الفَجرِ إلى غُروبِ الشَّمسِ، ثم أخبَرَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ مَن ماتَ مُحافِظًا على تلك الأركانِ، مُبتَعِدًا عنِ المُنكَراتِ، كان مع النَّبيِّينَ والصِّدِّيقينَ والشُّهَداءِ يَومَ القيامةِ، وجَمَعَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَينَ إصبَعَيْه، وأشارَ تأكيدًا على مُجاوَرَتِه لِهؤلاء وقُربِه منهم، والصِّدِّيقونَ همُ الذين كَمُلَ تَصديقُهم بما جاءَتْ به الرُّسُلُ، فعَلِموا الحَقَّ وصَدَّقوه بيَقينِهم، وبالقيامِ به قَولًا وعَمَلًا وحالًا ودَعوةً إلى اللهِ، والشُّهَداءُ همُ الذين قاتَلوا في سَبيلِ اللهِ؛ لِإعلاءِ كَلِمةِ اللهِ، دُونَ غَرَضٍ مِن أغراضِ الدُّنيا، فقُتِلوا، وهؤلاء مِنَ الذين صَلَحَ ظاهِرُهم وباطِنُهم، فصَلَحَتْ أعمالُهم، وكُلُّ مَن أطاعَ اللهَ تعالَى كانَ مع هؤلاء في صُحبَتِهم، وهم أعلى أهلِ الجَنَّةِ دَرَجاتٍ، قال اللهُ تعالَى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69].وفي الحَديثِ الحَثُّ على العَمَلِ الصَّالِحِ؛ فهو يَرفَعُ الدَّرَجاتِ.وفيه: أنَّ أعْلى مَراتِبِ العُبوديَّةِ على الإطلاقِ بَعدَ مَرتَبةِ النُّبوَّةِ: مَرتَبةُ الصِّدِّيقيَّةِ.وفيه: تَوطينُ النَّفْسِ على الالتِزامِ والطَّاعةِ المُطلَقةِ لِأمْرِ اللهِ، لِيَصِلَ العَبدُ إلى مَرتَبةِ الصِّدِّيقيَّةِ.وفيه: بَيانُ مَنزِلةِ الشُّهَداءِ عِندَ اللهِ تعالَى .