الموسوعة الحديثية


- قُلْتُ: يا رسولَ اللهِ قد أُنزِل في الشِّعرِ ما قد أُنزِل فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ( إنَّ المؤمنَ يُجاهِدُ بسيفِه ولسانِه والَّذي نفسي بيدِه لكأنَّما ترمونَهم نَضْحَ النَّبلِ )
الراوي : كعب بن مالك | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج صحيح ابن حبان | الصفحة أو الرقم : 5786 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
الشِّعرِ كلامٌ؛ حسَنُه حسنٌ، وقبيحُه قبيحٌ، فإذا اشتمَلَ على الأمْرِ بالمَعروفِ والنَّهيِ عنِ المُنكَرِ، وإرشادِ الضَّالِّ، وتَعليمِ الجاهِلِ، أو بعضِ المَصالِحِ الشرعيةِ كهِجاءِ أهلِ الكُفرِ؛ فهو مِمَّا يُباحُ ويُؤجَرُ عليه صاحِبُه عِندَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ.وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ كَعبُ بنُ مالِكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه قال لِلنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُستَفسِرًا عن حُكمِ الشِّعرِ: "يا رَسولَ اللهِ، قد أُنزِلَ في الشِّعرِ ما قد أُنزِلَ" يَقصِدُ ذَمَّ اللهِ عَزَّ وجَلَّ لِلشُّعَراءِ في قَولِه تعالَى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} [الشعراء: 224]؛ فهل يَجوزُ لنا أنْ نَقولَ الشِّعرَ عامَّةً، وفي هِجاءِ الكُفَّارِ، أمْ لا؟ فأخبَرَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأنَّ شَأْنَ المُؤمِنِ في الجِهادِ ومُحارَبةِ الكُفَّارِ لا يَقتَصِرُ فَقَطْ على القِتالِ بالسَّيفِ، بل إنَّ مُحارَبَتَهم باللِّسانِ ونَحوِه نَوعٌ مِن أنواعِ الجِهادِ التي يُكتَبُ فيها الأجْرُ، وليس النَّهيُ الذي في الآيةِ على الإطلاقِ، فإنَّ المُؤمِنَ يُجاهِدُ بسَيفِه بالقِتالِ به، ويُجاهِدُ بلِسانِه ببَيانِ الحَقِّ وتَعريةِ الباطِلِ، وإقامةِ الحُجَّةِ على الكافِرِ، ثم أقسَمَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقال: "والذي نَفْسي بيَدِه، لَكَأنَّما تَرمونَهم نَضْحَ النَّبْلِ" والمَعنى: أنَّ الجِهادَ بالشِّعرِ خاصَّةً، والجِهادَ باللِّسانِ عامَّةً، يَقَعُ في الكُفَّارِ ويُصيبُهم، كما تَقَعُ عليهمُ السِّهامُ وتُصيبُ فيهم، وأنَّ هِجاءَهم يُؤَثِّرُ فيهم تأثيرَ النَّبْلِ، ويَقومُ مَقامَ الرَّمْيِ في النِّكايةِ بهم.وخُلاصةُ جَوابِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه ليس فيه ذَمُّ الشِّعرِ على الإطلاقِ، بلِ الذَّمُّ في شَأْنِ الهائِمينَ في أودِيةِ الضَّلالِ، وأمَّا المُؤمِنُ فهو خارِجٌ مِن ذلك الحُكمِ؛ لِأنَّه إحْدى عُدَّتَيْه في ذَبِّ الكُفَّارِ، مِنَ اللِّسانِ والسِّنانِ، بل هو أعْدى وأبْلى.وفي الحَديثِ: بَيانُ تَعَدُّدِ أوْجُهِ الجِهادِ؛ فمنه ما يَكونُ بالبَدَنِ وبالسَّيفِ، أو بالدَّعوةِ، والحُجَّةِ، والبَيانِ، والرَّأْيِ، والتَّدبيرِ.