الموسوعة الحديثية


- دخَل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم علَيَّ لأربعِ ليالٍ خلَوْنَ أو خمسٍ مِن ذي الحجَّةِ في حجَّتِه وهو غضبانُ قالت: فقُلْتُ: يا رسولَ اللهِ مَن أغضَبك أدخَله اللهُ النَّارَ ؟ فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ( أمَا شعَرْتِ أنِّي أمَرْتُهم بأمرٍ وهم يتردَّدونَ فيه ولو كُنْتُ استقبَلْتُ مِن أمري ما استدبَرْتُ ما سُقْتُ الهَديَ ولا اشترَيْتُه حتَّى أحِلَّ كما حلُّوا )
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج صحيح ابن حبان | الصفحة أو الرقم : 3941 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح على شرط الشيخين
طاعةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ واجِبةٌ على المُسلِمينَ، وقد كانتْ في حَجَّةِ الوَداعِ أحكامٌ وعِبَرٌ وأوامِرُ ونَواهٍ، وفي هذا الحَديثِ بَيانٌ لِبَعضِ ذلك، فتَقولُ عائِشةُ رَضيَ اللهُ عنها: "دَخَلَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَيَّ لِأربَعِ لَيالٍ خَلَوْنَ أو خَمسٍ مِن ذي الحِجَّةِ في حَجَّتِه" وهي حَجَّةُ الوَداعِ سَنةَ 9 هِجريَّةً، فدَخَلَ عليها، "وهو غَضبانُ"؛ لِأنَّ بَعضَ الصَّحابةِ كان لا يُريدُ التَّحلُّلَ مِنَ الحَجِّ إلى العُمرةِ، "قالت: فقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، مَن أغضَبَكَ أدخَلَه اللهُ النارَ"؛ لِأنَّ إغضابَ النَّبيِّ مِن عِصيانِه، وقد قال تَعالى في مِصداقِ ذلك: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} [النساء: 14]، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "أمَا شَعَرتِ أنِّي أمَرتُهم بأمْرٍ وهم يَترَدَّدونَ فيه؟" وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قد أمَرَ أصحابَه مِمَّن ليس معهم هَديٌ أن يَجعَلوا الحَجَّةَ التي أهلُّوا بها عُمرةً ويَطوفوا ثم يُقصِّروا ويَصيروا حَلالًا، وقال: "ولو كُنتُ استَقبَلتُ مِن أمْري ما استَدبَرتُ" لو عَرَفتُ في أوَّلِ الحالِ ما عَرَفتُ آخِرًا مِن جوازِ العُمرةِ في أشهُرِ الحَجِّ "ما سُقتُ الهَديَ ولا اشتَرَيتُه حتى أحِلَّ كما حَلُّوا"، أي: ما سُقتُ الهَديَ، ولولا أنَّ معي الهَديَ لَأحلَلتُ؛ وذلك لِأنَّ وُجودَه مانِعٌ مِن فَسخِ الحَجِّ إلى العُمرةِ والتَّحلُّلِ منها. وهذا يَدُلُّ على أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لم يَكُنْ أحرَمَ به مُتحَتِّمًا مُتعَيِّنًا عليه، وأنَّه كان مُخيَّرًا بَينَ أنواعِ الإحرامِ، فأحرَمَ بأحَدِها، ثم إنَّه لَمَّا قَلَّدَ الهَديَ لم يُمكِنْه أن يَتحَلَّلَ حتى يَنحَرَه يَومَ النَّحرِ بمَحِلِّه، فصارَ مَعنى الكَلامِ: لو ظَهَرَ لي قَبلَ الإحرامِ ما ظَهَرَ عِندَ دُخولِ مَكةَ مِن تَوقُّفِ الناسِ عنِ التَّحلُّلِ بالعُمرةِ، لَأحرَمتُ بعُمرةٍ، ولَمَا سُقتُ الهَديَ، وإنَّما قال ذلك تَطييبًا لِنُفوسِهم، وتَسكينًا لهم.